بناء للشفاء

يقول مايكل ميرفي منذ أن كنت طفلا كان والدي في كل سبت يرتدي قميصه البالي برائحته العفنة ويبدأ في كشط جدران البيت وحرقها بالنار لإعادة طلائها مرة أخرى كان هذا هو طقسه السنوي لينفس عما بداخله وهكذا سنويا دون أن يتمكن من إكمال ترميم منزلنا المتهالك!
في عيد والدي الـ 52 أصيب بسرطان المعدة في مراحله الأخيرة فلم يتبق له سوى ثلاثة أسابيع ليعيشها حسب رأي الأطباء، لذا قررت أن أقضي معه آخر أيامه وأحاول إسعاده في لحظاته الأخيرة ولم يدر بخلدي ما ستحمله الأيام المقبلة من مفاجآت!
فقد قررت أن أنهي ترميم المنزل الذي لم يستطع إكماله طوال حياته وفعلا بدأت بكشط الجدران الخارجية وحرقها كما كان يفعل ومرت الأسابيع الثلاثة ولم يمت والدي وبعد ثلاثة أشهر انضم إلي فأزلنا الطلاء من الجدران الداخلية وأعدنا طلاءها من جديد وبعد ستة أشهر رممنا النوافذ القديمة وبعد 18 شهرا استبدلنا الشرفة المتهالكة، وما زال والدي على قيد الحياة بل إن شعره بدأ ينمو من جديد ولا يبدو عليه أثر للسرطان حينها التفت إلي وقال: "هذا المنزل أنقذ حياتي".
قرر مايكل دخول كلية الهندسة ليغير حياة الناس ولكنه صدم بواقع مرير وهو أن شهرة المهندسين تعتمد ابتكاراتهم في أشكال مبانيهم ومدى قدرتهم على تطويع الفن المعماري، ولكن ما الذي ستصنعه الأشكال الخارجية لساكنيها؟ هذا ما كان يشغل بال مايكل ومن أجله دخل كلية الهندسة، وليجد إجابة قرر في أحد الأيام أن يتخلص من ضغط الامتحانات النهائية ويحضر لطبيب ناشط في مجال صحة الفقراء حول العالم الدكتور بول فارمر وسمعه يقول "المباني تزيد من مرض الناس خصوصا الفقراء المعدمين، إنها تسبب الأوبئة يدخل المريض مبنى المستشفى بكسر في ساقه ويخرج بمرض السل لانعدام التهوية، لم يفكر أحد في تصميم بسيط يقاوم الأمراض المعدية"، وهنا أصيب مايكل بالدهشة فكيف لطبيب أن يتحدث عن الهندسة المعمارية!
في العام الذي بعده وجد مايكل نفسه في راوندا مع الطبيب بول يحاول أن يصمم المستشفى التي حلم بها الطبيب!
في راوندا تعلم كثير من الأشخاص يعملون بطريقة غير تقليدية ليعززوا مبدأ "التشافي بالبناء" فهذا المهندس بروس يشحذ طاقة المجتمع بأكمله ليحفر نفقا في هضبة وعندما أراد تأثيث المنازل أحضر نجارين ليدربوا أهل المنطقة على صناعة الأثاث مستخدمين خامات بيئتهم المحلية، لقد عالج بروس المجتمع كله من ويلات الحروب والفقر والإبادة الجماعية معتمدا على طريقة "لو ــ فاب" وتشمل التوظيف المحلي، المصادر المحلية، التدريب، واستخدام هوية البلد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي