من التعاون إلى التكامل إلى الوحدة

في المنامة عاصمة البحرين عقد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي قمتهم الـ 37 يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، وصدر عن القمة بيان الصخير، وما من شك أن القمة تأتي في ظروف صعبة للغاية، خاصة لما تمر به المنطقة من ظروف صعبة للغاية، ولما يحيط بها من نيران مشتعلة في كل من العراق، وإيران، وسورية، واليمن.
خطورة الموقف تأتي بسبب التدخلات الإيرانية في عدة دول، ما أسهم في إحداث الفوضى، والاضطرابات ذات الطابع المذهبي الذي لم تشهده المنطقة قبل الثورة الإيرانية التي جعلت المذهبية أساسا لعلاقاتها مع جيرانها، بل جعلت المذهب ضمن دستورها، ما يعني حرمان أصحاب المذاهب الأخرى من حقوقهم، وإعطاء نفسها حق التدخل في شؤون الآخرين في الدول الأخرى بحجة الدفاع عن المظلومين.
مجلس التعاون تأسس استجابة لما حدث من تغيرات في المنطقة، خاصة بعد إطلاق إيران شعارات تصدير الثورة، وبعد تدخلاتها في الشؤون الداخلية للجيران، ما أوجد بيئة غير مستقرة، حتى وقعت الحرب العراقية - الإيرانية على مدى ثماني سنوات أنهكت البلدين، وأثرت في اقتصاداتهما، واقتصادات دول المنطقة. الظروف الصعبة في المنطقة لم تنقطع بوجود الجار الإيراني الذي جعل التحرش بالجيران أساسا لسياسته لإشغال الشعب الإيراني بما يمكن تسميته الأمن القومي الإيراني، ولتحقيق أهداف الثورة ذات الطابع المذهبي.
هل مصطلح التعاون كاف في هذه المرحلة التي تشهد مزيدا من التوتر، والتهديدات، والأطماع الخارجية؟ بالطبع لا، ذلك أن مفهوم التعاون يعني عدم الإلزام، وعضو المجلس في هذه الحالة حر في اتخاذ ما يراه أعضاء المجلس الآخرون، سواء في السياسات الداخلية، أو الاقتصادية، أو الخارجية، والعلاقات مع الدول الأخرى، أو السياسات الداخلية. على سبيل المثال الانتخابات النيابية في الكويت تختلف عن دول تعتمد تعيين أعضاء المجالس النيابية، والشورية، وهذا التباين في التنظيمات، والسياسات الداخلية يعتبره البعض أحد أسباب عدم تحقيق الاتحاد الذي طرحه الملك عبدالله، وأجل بهدف مزيد من الدراسة، والبحث.
مفهوم التعاون كفلسفة تبنى عليها علاقات بين الدول قد يعترضه بعض العقبات، كما حدث بشأن العملة الخليجية الموحدة، والبنك الخليجي المركزي، والسوق الخليجية المشتركة، مع أن هذه العقبات قد تزول، وتتلاشى في الظروف الصعبة التي قد تواجه دول المجلس، أو إحداها، وتمثل خطرا مهددا، إذ لا مجال لأن يكون التعاون اختياريا، وهذا ما حدث عندما حدث الغزو العراقي للكويت، إذ بادرت دول المجلس دون استثناء، وشاركت في تحرير الكويت.
بيان قمة البحرين الـ 37 تضمن رؤية الملك سلمان القائمة على التكامل، وما من شك أن فكرة التكامل أرقى، وأفضل من التعاون الذي أشرنا إلى معناه الاختياري، وليس الإلزامي، الذي أعاق تحقيق كثير من المشاريع، وأهداف المجلس. التكامل كما أفهمه يعني ضمنيا أن كل الأعضاء يكملون بعضهم بعضا، ولو تخلف أحدهم عن تبني قرار من القرارات، أو مشروع من المشاريع لما تحقق هدف المشروع، ويمكن تشبيه التكامل بالجدار الذي تنقصه لبنة، فهذه اللبنة الناقصة تعيب الجدار، وتكون سببا في تسرب كثير من الأذى لداخل المنزل، كالغبار، والحشرات، والبرد، والمطر، ولا يمكن تجنب الأذى إلا بلبنة تسد الفراغ، وهذا شأن دول المجلس في حال التكامل.
منجزات المجلس بشأن القضايا العسكرية، والأمنية قطعت أشواطا كبيرة في تبادل المعلومات، والتمارين، والمناورات المشتركة، إلا أن الجيش الموحد، والتنسيق في صفقات السلاح التي تحتاج إليها دول المجلس لا يزالان بحاجة إلى كثير من الجهود لتحقيقهما لتوفير كثير من الأموال، وتوحيد المنظومات التقنية والفنية.
أبناء المنطقة ما زال يحدوهم الأمل في تحقيق الوحدة، فالمشتركات أكثر من الاختلافات بين الشعوب، لكن اللبنات في هذا المشوار تحتاج إلى عزائم، ومزيد من التواصل بين الجامعات، والمؤسسات التعليمية، والتربوية، فهي التي يتم بها ومن خلالها تبلور الأفكار الإبداعية التي تساعد القادة على المضي قدما لتحقيق الهدف. الاتحاد بين الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة لم يكن ليتحقق لولا العزيمة الصادقة لحكام الإمارات، بعد أن كانت إمارات متصالحة، كل إمارة تدير شؤونها بمعزل عن الأخريات، وهذه التجربة الحية القائمة التي قطعت شوطا متقدما في مجال التنمية يمكن أن تكون مثالا يتحقق على مستوى دول المجلس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي