الخطأ سر النجاح عندما تقوم بواجباتك
الخطأ من طبيعة البشر، ولكن، كم مرة نخطئ؟ أكثر مما نتصور، وذلك وفقا لدراسة جديدة، والخطأ الأكبر الذي ترتكبه الشركات هو ألا تكون مستعدة.
تحطمت مركبة الفضاء لدراسة مناخ المريخ عام 1999 بسبب سوء تقدير بسيط، وقد ذكرت وكالة ناسا أن خسارة المجس الذي قدرت تكلفته بـ 125 مليون دولار كانت نتيجة لفشل الطاقم الأرضي في ترجمة الوحدات الإنجليزية إلى وحدات مترية. وفيما يُعتبر تحطم المركبة مثالا على الخسارة الكبيرة، فإن الأخطاء البشرية - سوء التقدير أو انزلاق "الأصابع الغليظة" – تكلف الشركات المليارات من الدولارات سنويا، وهي المسؤولة عن إنتاج وسوء تسويق بعض المنتجات التي يمكن نسيانها بسرعة كبيرة، مثل فورد إيدسل ونيو كوك.
تحتاج المؤسسات إلى توقعات وتقديرات دقيقة لتحديد الأماكن التي يمكن الاستثمار فيها، إضافة إلى قيمة الاستثمار وسرعته. وفيما أصبحت هذه الشركات أكثر تطورا من حيث استخدام الكم المتزايد من البيانات الإحصائية التي تدخل في أعمالها لتحسين الإنتاجية وإنتاج منتجات جديدة وبيعها، فإن التقديرات البشرية تظل تشكل الجزء الحيوي في عملية اتخاذ القرار.
من المقبول أن يخطئ البشر، وحتى المختصون أحيانا، ولكن كم هي المرات التي يرتكبون فيها أخطاء جسيمة؟ أكثر مما هو متوقع، وفقا لميجيل لوبو، الأستاذ المساعد في علوم صناعة القرار في "إنسياد"، والخطأ الأكبر الذي ترتكبه الشركات هو عدم الإقرار بالحقائق. يقول لوبو في معرض حديثه لمجلة المعرفة: " استثمار الشركات في مجال جمع المعلومات شحيح جدا، إنهم يعتمدون كثيرا على معلومة واحدة فقط، ويفشلون في وضع خطط للطوارئ في الحالات التي تقع فيها أخطاء فاحشة".
خذ مثلا انخفاض الطلب على أشباه الموصلات الكهربية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. وبحسب لوبو، كان استثمار شركة إنتل العملاقة لتكنولوجيا المعلومات في القدرات التصنيعية أقل مما ينبغي، وعندما حدثت الطفرة التي أحدثتها "دوت كوم"، أُسقط في أيديهم، فقد كلفهم فقدان الدخل، بسبب عدم استعدادهم، أكثر من مليار دولار لإقامة محطة جديدة. يقول لوبو: "كان ذلك خطأ في التقدير، الخطأ في عدم التفكير في العواقب المترتبة على حقيقة أن العالم لن يكون كما تتصور أن يكون".
استخدم العلماء المنحنى الجرسي لعقود من الزمن لتمثيل توزيع حالات الحيرة والشك، وقد خلصت بحوث سابقة إلى أن حجم الخطأ البشري يقع ضمن التوزيع الطبيعي للمنحنى الجرسي. يقول لوبو: "أتساءل عن عدد المرات التي وقعت فيها هذه الحالات خارج هذا المنحنى، كان لدي إحساس بأن تكون أكثر بكثير مما كان متوقعا، وهذا ما شجعني لإجراء هذا البحث".
استخدم البحث الذي أجراه لوبو، وهو بعنوان "التقديرات البشرية كثيفة ذيول التوزيع"، 17 قاعدة من قواعد البيانات، وأكثر من 20 ألف من التوقعات، أخذت من مجموعتين من مجموعات التركيز، هما فريق من خريجي الماجستير في إدارة الأعمال، إضافة إلى توقعات 50 اقتصاديا من نيويورك، وقد خلُصت الدراسة إلى وجود أخطاء كبيرة خارج نطاق المنحنى الجرسي الطبيعي، وقد تكررت هذه الأخطاء بشكل أكثر بكثير من المتوقع. "ما أدهشني هو التوافق الكبير في كثير من المهام المختلفة، كان حجم الخطأ النمطي متغيرا، لكن التكرار كان ثابتا".
لقد احتوت مجموعة كبيرة من توقعات الاقتصاديين على أخطاء منهجية كبيرة، بينما كانت استجابات فريق خريجي الماجستير، الذين طلب منهم الإجابة عن أسئلة مثل عدد الدول في الأمم المتحدة، وقيمة الإنتاج اليومي العالمي للنفط، ورأسمال شركة جوجل، عشوائية وغير دقيقة. يقول لوبو: "كان شيئا مذهلا، فبغض النظر عن الأسئلة التي طرحناها، سواء كانت عن أشياء يعرفونها جيدا، أو عن أشياء خارج نطاق تخصصاتهم، كانت هنالك أخطاء". درس لوبو بعد ذلك التباين المعياري الشديد في حجم الأخطاء: "بحثنا، على سبيل المثال، في خطأ كبير جدا، الذي يجب أن يحدث مرة واحدة فقط كل ألف مرة، وهو حدثٌ نادر جدا من حيث سوء التقدير في التوقعات. الذي حدث، هو أن هذه الأخطاء تكررت عشر مرات أكثر مما هو متوقع في العادة وفق نموذج التوزيع الطبيعي".
يقول لوبو إن هذه الأخطاء في التقدير أصبحت مكلفة عندما يقبل كبار المسؤولين، ممن يتخذون القرارات دون مشورة كافية، هذه الأرقام الخاطئة. وسواء كان ذلك عن طريق الانحياز التشابهي (إسقاط ترجيحاتهم وتشابهاتهم على الآخرين)، أو الثقة التشابهية الزائدة (التقليل الفاضح لجهلهم) لدى المديرين الذين لا يتسلحون بمعلومات مناسبة وكافية. "الغالبية العظمى من الناس يستخفون بأهمية الأخذ بالمشورة والرأي من مجموعة متنوعة من الناس. استشارة الناس على اختلاف خلفياتهم تعطي قيمة أفضل".
وحتى عندما يتم جمع كثير من المعلومات، فإن صانعي القرارات لا ينظرون إلا إلى معلومة واحدة لأحد التقديرات: "يعتمدون على معلومة واحدة بارزة دون النظر إلى الصورة كاملة".
ويضيف لوبو أن اتخاذ القرارات المبنية على قليل من المعلومات قد يؤدي إلى أخطاء تسويقية كبيرة جدا، مشيرا إلى الأخطاء الفادحة التي اقترفتها الشركة المصنعة للهاتف المحمول، نوكيا. لقد اعتقدوا: "أننا لا نعلم ما الذي سيكون رائجا في الفترة المقبلة، لذلك سنصنع هواتف من جميع الأنواع"، إلا أنه قد فاتتهم مرحلة الانتقال إلى الشاشات العريضة لأجهزة المساعد الرقمي الشخصي التي تعمل باللمس. "ولقد أمضت شركة مايكروسوفت سنوات عديدة في محاولة منها لتطوير الحواسيب اللوحية، وقد أساءت الظن تماما عندما فكرت من الذي سيستخدم التكنولوجيا ولأي غرض؟ مفترضة أنها ستكون سوقا متخصصة.
وفي غضون ذلك، تتخذ شركة أبل التي تشتهر بالقدر الهائل من البحوث التي تجريها والأسئلة التي تثيرها، بعض القرارات المبتكرة للغاية التي غالبا ما تؤتي ثمارها.
في حين يعد الدرس الأول لتجنب الأخطاء المكلفة هو توسيع مصادر المعلومات، فإن الدرس الثاني، الذي يحظى بالقدر نفسه من الأهمية، هو الوعي بحقيقة أن الأمور قد تسوء أكثر مما يتوقع المرء، وضمان وضع خطط الطوارئ في مكانها الصحيح، وتفهم عديد من المؤسسات والشركات الكبيرة، خاصة شركات التدقيق الحسابية والتعدين والأدوية بشكل أفضل، مدى الأخطاء البشرية، وتضمن أنهم مستعدون عندما لا تسفر عمليات اكتشاف النفط أو اختبارات الأدوية عن النتائج المتوقعة.
ويقول لوبو "تبدي الشركات على مدى العقد الماضي اهتماما متزايدا بالخيارات الحقيقية عند صنع القرار ـ حيث لا ينظرون فقط إلى قيمة رأس المال المستثمر في ظل التنبؤات المرجعية، ولكن يأخذون بعين الاعتبار أيضا عواقبها في ظل ظروف اقتصادية مختلفة وغير مؤكدة، إضافة إلى مخرجات سوق العمل".
كما ينصح لوبو بأنه من الأفضل أن يتم اتخاذ الإجراءات في وقت مبكر، لنكون على علم بما سيجري، ونعد الخطط الاحتياطية لتجنب زيادة الأخطاء. "إن هذا يتعلق بإدارة المخاطر. وينبغي النظر في جميع النتائج المحتملة وكيفية حماية أنفسكم. إضافة إلى التفكير في طرق مختلفة يمكن أن يخطئ بها الناس بسبب خطأ عشوائي".