عملية تحديث الاقتصاد .. وإغلاق المحال التجارية مبكرا

ما زال الشارع السعودي يعمل على التأقلم مع تقليص البدلات، كل على طريقته. فقد بدأت المصارف بالإعلان عن تأجيل قسط شهر المحرم ليكون جزءا من عملية إعادة الجدولة التي أقرتها مؤسسة النقد. وواقع الأمر يقول إن آثار عملية الترشيد هذه ستستمر لفترة طويلة، قد تمتد إلى ما بعد العام القادم على أدنى تقدير، لكن الملاحظ ظهور عدد من المحال الشاغرة على الشوارع الرئيسة، مع لوحات إعلانية عن إيجار أو بيع العقارات، كما سجل شهر آب (أغسطس) ثاني تراجع شهري في مستوى الأسعار وتكاليف المعيشة في هذا العام، فأموال الرواتب والأجور تتوجه بسلاسة وسرعة لدعم الاستهلاك، لتدعم قطاعا اقتصاديا لا يقل أهمية عن قطاع المقاولات وهو قطاع التجزئة.
الترشيد يؤكد عزم الحكومة على إعادة توجيه الاقتصاد إلى مسار صحي ومستدام، حتى وإن جاء عن طريق تصحيح صرف البدلات وإيقاف العلاوة السنوية لعام واحد، فلا رجعة عن التحول إلى اقتصاد أكثر فعالية وإنتاجية، الأمر الذي تم إرساء أسسه عن طريق إقرار لوائح تقييم الأداء لموظفي الدولة، والمراجعة المستمرة للمصروفات الحكومية، وحتى لا يذهب هذا الجهد المهم فمن الضروري الاستمرار في عملية التغيير، بما تحتاج إليه من قرارات مصاحبة، تعمل على تخفيف حساسيتنا لتقلبات أسعار النفط، وتخلص الاقتصاد من إدمانه على العمالة الرخيصة.
أذكر على سبيل المثال تفعيل قرار إغلاق المحال التجارية عند الساعة التاسعة مساء، رغم عدم ارتباطه المباشر بالرواتب والأجور أو المصروفات الحكومية، إلا أن هذا القرار ضروري لإعادة تصحيح الخلل الواقع في سوق العمل من احتكار العمالة الرخيصة لأنشطة تجارية بأكملها، فمع بداية دخوله إلى السوق ومنافسته للسعودي، اعتمد الوافد على استغلال ميزة نوعية لديه وهي انخفاض تكلفته واستمراره في العمل لساعات طويلة حتى تمكن من السيطرة الكاملة على النشاط. نتائج مثل هذا القرار ستكون مزيدا من التضييق على العمل التجاري، ولكن قد يكون مثل هذا التراجع صحيا، فالواقع الذي كنا نعيشه بالأمس القريب يدل على فرط المعروض من الخدمات والسلع بشكل لا يتناسب مع حاجة الاقتصاد، ومع تضييق الخناق على التستر أيضا، ستعمل السوق الحرة على إعادة المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى مكانها الطبيعي في الاقتصاد لتكون الموظف الأكبر للقوة العاملة. لا نحتاج إلى بيئة ابتكارية عالية لتحفيز هذه المنشآت في بداية الأمر، بل يكفي أن تقدم الخدمات المعتادة لتلبي الاحتياج المحلي بأيد سعودية. إعادة التوجيه التي نمر بها بحاجة إلى روح متفائلة تأثرت بانخفاض دخل الموظف الحكومي، وهذا ما ستحققه القوانين المصاحبة مثل إغلاق المحال التجارية مبكرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي