الزيف والحقيقة

* أهلا بكم في مقتطفات السبت رقم 606

حافز السبت
المنطقة الفاصلة لأي فرد، لأي شعب، لأي أمة، هي معرفة الفرق بين الزيف والحقيقة.
***
الرأي
أقوى ما يقوض الأمم وقوضها هو الزيف. ولا تعتقدون أن الزيف أمر يمكن اكتناهه أو اكتشافه، لأن الزيف الذي تنميه الشعوب أو قيادات الشعوب ينشأ من الداخل. أوهام تصنعها الشعوب فتصدقها وقد تقدسها أحيانا، أو يشيعها قادة على شعوبهم كي يغرسوا أضراس سلطتهم أكثر. أكثر الحروب التي ثارت هي من أوهام زرعت في أذهان الناس لتبريرها، لجعلهم يغضبون ويثورون من أجل نصرة بلدهم من شيء زائف تماما، ومن تهديد غير موجود، ثم يكونون هم وقودا لها. من الماضي، الحرب الأمريكية ــ الإسبانية، وكان وقتها الرئيس مكنلي يريد حربا مع إسبانيا من أجل الاستيلاء على كوبا والتحكم في الكاريبي، ولا بد أن يقدم سببا للشعب، فأشاعت إدارة الحرب أن سفينة أمريكية تجارية أغرقتها ألغام إسبانية في هافانا، فثار الشعب الأمريكي فعلا، ثم تبين فيما بعد من إقرار من قائد السفينة ذاتها أنها غرقت بسبب انفجار بالسفينة وليس بأي لغم إسباني. وليس بعيدا عنا مسألة الأسلحة المدمرة الكبرى التي أعطت الضوء الأخضر لخوض أمريكا حرب العراق. هناك حروب تخاض من أجل الشرف والكرامة وليس اندفاعا، وهذه حقيقة. معرفة الزيف والحقيقة تحدد مصير الأمم، وهي ليست من أسهل الأمور.
***
الواقع
في نظرية لأفلاطون رهيبة جدا، وهي نظرية الكهف، تقول إن رجالا مسجونين داخل كهف مظلم، ووراءهم مشاعل نار، ويبدو ظل حراسهم أمامهم عمالقة كبار، فيهابون الهرب أو التحرر من قيودهم رعبا من أولئك العمالقة الذين يتعدى طول ظل كل واحد منهم عشر قامات منهم مجتمعة. حدث أن أحد هؤلاء المساجين التفت للخلف ورأي الحراس فإذا هم أشخاص عاديون مثلهم وبأحجامهم وإنما المشاعل تجعل ظل كل منهم هائل الحجم، فأنذر صحبه وهاجموهم وأفلتوا من سجنهم وحرروا أنفسهم من الكهف الضيق المظلم، إلى العالم الفسيح خارجه والمنير. هناك شعوب تنشئ حراسا وهميين في عقولهم ثم تجعل الحراس يعتقلونهم طواعية، بل يرونهم حتى حراسا للحياة وليسوا حراسا على حرياتهم. شعوب تنشئ عادات وتقاليد لا قوة لها ولا أثر ولا مبررات حياتية ولا منطقية، بل تكون ثقيلة وعائقة ومضيّقة، ثم تخلع عليها صفات الطاعة وربما تعدتها للقدسية. والعجيب في هذه العادات أنها لا تناقش، بل لا تقبل جدلا، فأنت لا تفهم مثلا لماذا تدفع البنت الهندية المهر للرجل، ولا تفهم كيف تحرم المرأة من الميراث في مجتمعات عربية، وهكذا..
***
دول الخليج
هل دول الخليج تأتمر من نفسها أم من آخرين؟ نعرف في السياسة الدولية أن لا حرية مطلقة بسبب تداخل مصالح الدول، ولكن الاستقلال في اتخاذ القرار ضمن هذه الحرية المفهومة بين الدول يجعل الدولة تحمل صفة السيادة الحرة. نحن نقول كدول خليجية إننا نملك قراراتنا، في حدود الظروف العالمية المتعارف عليها، ولا يملي علينا أحد شيئا رغما عنا. لما يقف ترامب ويقول إنه سيجبر دول الخليج على فعل أمر معين، فبذهنيته أننا دول تخضع للأمر الأمريكي. "ترامب" مكشوف وقد يوسم بالسذاجة السياسية، ولكن هل هذا ما تعتقده أمريكا، ففضحه ترامب وتحتال به الإدارات الأخرى؟ لا يهمنا الإجابة عن السؤال، فلأمريكا أن تفكر كما تشاء، ولكن على دول الخليج أن تنبه أمريكا وغير أمريكا أنها لا تمتثل لقرارات لا تخرج من داخلها مراعاة لمصالحها وللتوازنات العالمية، وبوضوح.
***
والمهم
يحدد عمر ازدهار أي أمة أمران: التفرقة بين الزيف والحقيقة، وامتلاك قرار سيادة عاقلة ومتزنة لا يتدخل فيها طرف خارجي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي