المسؤول عن تعليق سهم «تهامة» .. المراجع أم لجنة المراجعة؟
لماذا نحن في حاجة إلى مراجع خارجي في الشركات، هناك ثلاث وجهات نظر، الأولى تقول إن القوائم المالية التي تصدرها إدارة الشركة تفتقد الثقة، لأن من أعدها هي الإدارة التي تعرف كل شيء بينما المستثمر لا يعرف شيئا، فتستطيع إدارة الشركة ادعاء ما تشاء من أرباح أو أعمال هدفها تعظيم منافعها، بينما المستثمرون أو الجمعية العمومية للشركة لا تستطيع أن تنفي أو تؤكد هذه المعلومات وعليها قبولها كما هي، لهذا يبقى هناك شك في المعلومات، خاصة إذا تضمنت مكافآت، ولحل هذه المشكلة المعلوماتية فإن الجمعية العمومية تعين مراجع حسابات يتصف بأنه مستقل عن الجمعية العمومية وعن الإدارة فليس له مصلحة مع أي طرف يقوم بمراجعة الحسابات بنزاهة وموضوعية ويقدم تقرير المراجعة المتعارف عليه.
كيف يتم اختيار هذا المراجع، في الشركات المساهمة؟ يقرر النظام أن تقوم كل شركة بتعيين لجنة متخصصة تسمى لجنة المراجعة، من ثلاثة أشخاص على الأقل، مستقلين. تقوم هذه اللجنة بطلب عدد من المراجعين الخارجيين للتقدم بعروض لمراجعة حسابات الشركة لسنة مالية مقبلة، بعد ذلك يتقدم كل مكتب مراجعة بعرض الأعمال والأتعاب المطلوبة للإنجاز ومعها كل مسوغاته المهنية، التي من بينها ترخيصه المهني. تقوم اللجنة بفحص هذه المتطلبات جميعها ومن ثم ترشيح ثلاثة مراجعين أو أكثر والرفع بذلك لمجلس الإدارة الذي يقوم من جانبه بدراسة هذه العروض وإعداد ملخص بها وترشيح المراجعين إلى الجمعية العمومية التي من جانبها تصوت على المراجع الذي سيتم اختياره. وبعد ذلك تقوم الإدارة التنفيذية بالتواصل مع المراجع وإمداده بالمعلومات اللازمة، وعليه أن يظل على تواصل بلجنة المراجعة طوال فترة العمل وحتى يقوم بتسليم تقريره عن القوائم المالية.
هذه المقدمة الكسولة كانت ضرورية لفهم مشكلة الإعلان المفاجئ عن تعليق سهم شركة تهامة قبل نحو أسبوع وذلك بعد أن أقرت الشركة أن مكتب المراجع الخارجي «يو تي سي إنترناشيونال» تأخر في تسليم القوائم المالية الموحدة لشركة تهامة للفترة المنتهية في 30 حزيران (يونيو) 2016. ووفقا لنص بيان الشركة لم يقم بإرسال القوائم المالية الموقعة رغم محاولات الشركة العديدة عبر الاتصالات وأكثر من بريد إلكتروني تم إرساله. وأن مجلس الإدارة قام فورا بالإيعاز للعاملين بالشركة بمراجعة الجهات ذات العلاقة لتبيان أسباب تأخر المراجع الخارجي وعدم رده، وقامت الشركة بمخاطبة الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين للاستفسار عن وضع مكتب يو تي سي إنترناشيونال. وبينت أن الترخيص الخاص بمكتب يو تي سي إنترناشيونال منته، ولم يتم تجديده وتدعي شركة تهامة أنه لم تقم أي جهة بإشعار الشركة بذلك.
يمكن القول إن إعلان شركة تهامة بكل تفاصيله لم يكن مهنيا بما يكفي، وبذلك سيتم التغاضي عن كثير من المشاكل التي ظهرت فيه ولا داعي لهذا المقال، لكن هذه الفرضية سوف أتجاهلها وأعتبر أن هذا الإعلان كتب بمهنية، ولهذا سيكون تعليقي بناء على هذا الأساس. فالإعلان تضمن أمورا خطيرة، أولها (وأشدها خطرها) أن الشركة قالت إن مكتب المراجع الداخلي قام بإرسال المسودة النهائية للقوائم المالية الأولية للشركة وعلى أثر ذلك، قامت لجنة المراجعة ومجلس إدارة الشركة بمراجعة وإقرار المسودة النهائية للقوائم المالية وتم إرسالها إلى المحاسب الخارجي، مكتب يو تي سي إنترناشيونال، لاعتمادها والتوقيع عليها حسبما هو متعارف عليه، انتهى. وهنا أقول ويا لهذه الكارثة فمن يراجع على من؟ ولا أعرف كيف يعتبر هذا كله من المتعارف عليه؟ كيف أن المراجع الخارجي هو الذي يعد المسودة الأولية للقوائم المالية وأن لجنة المراجعة تقوم بمراجعتها؟ فأنا لا أعرف لمثل هذا سابقة، وباختصار ولأن الشركة قالت إن هذا هو المتعارف عليه فلا بد من تحقيق شامل ومستقل بهذا الشأن تقوم به هيئة السوق المالية وتتأكد من الممارسات المتعارف عليها في السوق، فما أخشاه فعلا أن من قام بإعداد القوائم المالية للشركة هو المراجع الخارجي وهو من يوقع عليها وهذا مخل بشكل كامل باستقلال المراجع، ما أفهمه وما تعلمته وما مارسته أن المراجع يقوم بمراجعة القوائم المالية في مكاتب الشركة ويقوم من خلال ذلك بتقديم ملاحظاته وعلى إدارة الشركة أن ترسل له القوائم المالية بعد أن يتم تعديل ما يريده للتوقيع على تقرير خاص يرفق بها وليس أن يوقع عليها.
الأمر الآخر أين كانت لجنة المراجعة منذ البداية، منذ اختيار المراجع الخارجي وترشيحه؟ كيف لم تقم بفحص أوراقه وترخيصه ومن بينها وأهمها تاريخ انتهاء الترخيص، لماذا كان التواصل بين لجنة المراجعة والمراجع الخارجي يبدو مقطوعا. فمن المفترض أن أكثر الشخصيات في الشركة التصاقا بالمراجع الخارجي هم أعضاء لجنة المراجعة. فالشركة تدعي أنه لم يقم أحد ولم تقم أي جهة بإشعار الشركة بوضع المراجع الخارجي، فما الجهات التي تريد الشركة أن تفعل ذلك؟ هذه مسؤولية الشركة أولا وأخيرا، من المؤسف أن يحدث هذا في شركة بحجم "تهامة" وسمعتها وسمعة إدارتها وخبراتها، كيف تتعاقد مع مؤسسات أخرى لتنفيذ عقد لديها دون أن تتحقق من أن جميع التراخيص الممنوحة للشركة للعمل مستوفاة وأنها مجددة، وحتى إشعار مصلحة الزكاة والدخل، فكيف إذا كان هذا في أهم معلومة وهي الترخيص بالعمل؟ وأعود بالقول إن المهنية قد جانبت شركة تهامة وعليها وحدها تحمل المسؤولية هي وأعضاء لجنة المراجعة، وإذا كان الحال كذلك فإنني في شك أن أعضاء لجنة المراجعة كانوا على اطلاع بالمناقشات والملاحظات التي قدمها المراجع على القوائم المالية، وهذا التشكك خطير.
بالعودة للمسار فقد استمرت الشركة في نشر بيانات توضيحية تضع مؤشرا عميقا على حجم المشكلة التي تتعلق بأعمال لجنة المراجعة، ففي بيان توضيحي للشركة قالت إن لجنة المراجعة بالشركة قامت بالاجتماع وترشيح مكتب محاسبة خارجي آخر، انتهى. وهنا أعود للقول إنه كان يجب أن ترشح أكثر من ثلاثة مراجعين الجمعية العمومية تختار من بينهم. وأفترض أن الإعلان جاء مهنيا بما يكفي لتوضيح الحقائق وليس وفقا لما يفهم عرضا. ولهذا أكرر أن المسؤولية تقع على مجلس إدارة الشركة ولجنة المراجعة بشكل أساس، وعليهم تحمل مسؤولياتهم.