تقرير شيلكوت هل يستثمر لإدانة المجرمين؟
بصدور تقرير شيلكوت بشأن الحرب على العراق، والتي تمت بتعاون أمريكي _ بريطاني، خرج توني بلير واعتذر عن القتلى البريطانيين الذين ماتوا أثناء الاعتداء على دولة مستقلة ذات سيادة، وحضور في عالمنا العربي، لكن بلير أصر في الوقت ذاته على أن ما قام به كان في مصلحة بريطانيا بناء على المعلومات المتوافرة في ذلك الوقت، كما يدعي.
تقرير شيلكوت أكد أن الحيثيات التي بني عليها قرار الحرب على العراق لم تكن صحيحة، إذ لم يثبت وجود أي أثر لأسلحة الدمار الشامل التي كانت السبب المعلن لشن الحرب المدمرة، التي امتدت آثارها في المنطقة حتى الوقت الراهن، وليس في العراق فقط.
وزير خارجية أمريكا الأسبق كولن باول، الذي عمل أثناء الحرب وما قبلها، اعترف بأنه تم خداع الأمم المتحدة بشأن موضوع أسلحة الدمار الشامل، وتقديم معلومات غير صحيحة بشأن الموضوع. وما من شك أن الإعلام وأساليب تأثيره القوية كان لها دور بارز في تضخيم الموضوع، ورسم صورة قويه تقنع الآخرين بخطورة العراق وخطورة صدام حسين على العالم، حتى أصبحت مقولة الآن أصبح العالم أكثر أمنا، وذلك بعد الإطاحة بالنظام، هي التي يرددها الساسة الأمريكيون، والبريطانيون، والإعلام.
ما من شك أن هذه العبارة ما هي إلا استخفاف بالعقول، وواقع المنطقة، سواء في العراق أو سورية يؤكد أن المنطقة، والعالم أصبح أكثر خطرا لأن قادة العالم، أي الدول التي تدير شؤونه أصبحت أكثر جشعا، وطمعا في حقوق الآخرين، وأكثر عدوانية، وما التدخلات في شؤون الدول الأخرى، وإشعال الفتن فيها إلا خير مثال على ذلك.
تقرير شيلكوت وضع النقاط على الحروف، حين أشار إلى أنه لم توجد مبررات كافيه لدخول بريطانيا في الحرب على العراق، لكن علاقة بريطانيا بأمريكا كانت سببا رئيسا في مشاركة أمريكا في الحرب المدمرة للبلد العربي العريق، حتى أن بريطانيا أصبحت تابعة لأمريكا في هذا الشأن. تقرير شيلكوت أشار إلى أن هانز بليكس كبير المفتشين في إحدى مراحل التفتيش أبلغ توني بلير أنه وبعد 700 عملية تفتيش لأكثر من 500 موقع في العراق التي شملت حتى القصور الرئاسية لم يجد المفتشون أي دليل، أو أثر لأسلحة دمار شامل، ولذا خلص التقرير إلى أنه لم تعط الفرصة الكافية لتفادي الحرب التي أودت بحياة ملايين العراقيين، وتسببت آثارها في إعاقات، وتشوهات خلقية، وأمراض نفسية، وتدمير كامل للوطن. القضية التي حركها أولياء أمور القتلى البريطانيين، وشكلت لجنه استمرت سبع سنين في البحث، والتحري انتهت إلى هذا التقرير، ومع أن التقرير لم يدن بلير بشكل مباشر إلا أن بلير أقر بتحمله المسؤولية. السؤال الجوهري، لماذا كان الإصرار على الحرب؟!
ما من شك أن العامل الديني، ومشاعر العداء لدى الرئيس بوش، وتوني بلير كان لها الدور الأساس في اتخاذ قرار الحرب، ودون موافقة مجلس الأمن، ولا يمكن استبعاده، حتى وإن أتهمنا بتفسير الأمور من منطلق نظرية المؤامرة، فالتعصب الديني لدى الإثنين بلغ مستوى عاليا جعلهما يتصرفان بصورة جنونية، بعيدة عن النضج، والتعقل، ومع ذلك يتهم المسلمون بالتطرف لأن مراهقا فعل فعلا يدينه المسلمون قاطبة، وتدينه الأنظمة، والقوانين.
السؤال الجوهري، لماذا لا يتم استثمار تقرير شيلكوت من الإعلام العربي ومن الحكومات العربية ومن مؤسسات المجتمع المدني ومن منظمات حقوق الإنسان، ويسلط الضوء على جريمة الحرب التي قررها بوش، وبلير، أعتقد أن المطالبة بمحاكمتهما أمر مشروع لإدانتهما، وحتى لا يأتي من يتبع أثرهما النجس، ويقرر شن حرب على بلد عربي آخر. الحكومات قد يكون لها تقديرها للأمور وحساباتها، حتى وإن كانت غير دقيقة في بعض الأمور، لكن المحامين، ومؤسسات المجتمع المدني لا يعذرون في متابعة الموضوع، وإقامة الدعوى وملاحقة جميع من كان له دور في الحرب وبالذات بلير وبوش.