Author

عقارات لندن .. إلى أين؟

|
مصير سوق العقارات البريطانية وبالذات عقارات لندن أصبح محل اهتمام من قبل كثير من المستثمرين حول العالم بمن في ذلك مستثمرو السعودية خاصة بعد التصويت الشعبي على خروجها من الاتحاد الأوروبي، والحقيقة أنه أثناء وجودي في لندن خلال الأسبوع الذي سبق يوم التصويت التقيت بعض المهنيين والمختصين بالتمويل العقاري، لم يكن أحد منهم متوقعا أن التصويت سيرجح كفة الخروج، لذلك وصفت بعض التقارير هذا الخروج بالصدمة، لكن مع ذلك يبقى لعقارات لندن وضعها الخاص وهي التي يقدر سكانها بـ 8.7 مليون نسمة وتعتبر لندن من المدن القليلة حول العالم الجاذبة لرؤوس الأموال لاسيما للاستثمار العقاري، حيث يقدر حجم الصفقات العقارية فيها في 2014 بـ29 مليار جنيه استرليني (140 مليار ريال تقريبا) وفقا لتقرير برايس وترهاوس الذي أعد بالتعاون مع معهد التطوير العمراني، وبذلك تحتل سوق عقار لندن المركز الثاني في حجم الصفقات العقارية بعد مدينة نيويورك، كما تعد لندن من أنشط المدن عقاريا على مستوى مدن أوروبا في 2015، وصنفت من قائمة أهم مدن للاستثمار العقاري في أوروبا، وعلى مستوى الخليج العربي نجد أن أكبر الصناديق السيادية تتوجه للاستثمار في لندن بالذات مثل صندوقي قطر وأبو ظبي السياديين اللذين قاما بعديد من صفقات الاستحواذ العقارية خلال الأعوام السابقة، كما تقدر بعض المصادر أن حجم استثمارات السعوديين في سوق العقارات التجارية والسكنية وكذلك سوقي السندات والأسهم البريطانية بنحو 120 مليار جنيه استرليني أي ما يقارب (581 مليار ريال وفقا لسعر الصرف الحالي)، وهنا تبرز أهم النقاط والمخاطر التي لا بد من أخذها بالاعتبار عند الاستثمار العقاري في بلد أجنبي وهي مخاطر تذبذب العملة، فخلال 12 شهرا وحتى سعر الإغلاق ليوم الجمعة 8-7-2016، فقد الجنيه الاسترليني ما يقارب 16.7 في المائة من قيمته مقابل الريال السعودي، فالعقار الذي كانت قيمته قبل سنة تقريبا 100 مليون ريال بالنسبة للمستثمر السعودي، أصبحت قيمته حاليا 83.3 مليون ريال، و كذلك الحال للدخل فما كان يدر 10 ملايين ريال مثلا أصبح اليوم يدر على المستثمر 8.3 مليون ريال، لذلك لابد من اعتبار هذه المخاطرة جيدا التي بلا شك من الصعب التكهن بها ومعرفة مآلاتها لكن يمكن توقع حدوثها عند حصول تغيرات اقتصادية و سياسية. يتبنى فريق من محللي سوق العقار البريطانية فكرة أن نزول قيمة الجنيه الاسترليني سيفتح شهية المستثمر الأجنبي للاستحواذ على العقارات التي تعتبر مغرية بالنسبة له، وذلك بسبب نزول العملة و تصبح الأسعار أكثر إغراء في حال كانت الأمور الاقتصادية مرتبكة والأسعار في نزول وهذا ما يتبناه الفريق الذي يرى أن ما تمر به بريطانيا حاليا بعد الخروج هو فرصة قد تعادل الفرص التي وجدت في عام 2008 وبدايات 2009 عند حدوث أزمة الرهن العقاري حين ارتدت أسعار عقارات لندن السكنية مثلا ليصل متوسط معدل ارتفاعها إلى 60 في المائة في 2015، من قيمة العقار في قاع دروة سوق العقار في 2008، بينما يرى الفريق الآخر أن ضبابية الأوضاع الاقتصادية لبريطانيا بسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي سيجعل المستثمرين في موقع المتفرج واتخاذ استراتيجية الانتظار والترقب حتى تتضح الرؤية خاصة على المدى القريب 2 إلى 3 سنوات، فهناك عديد من المتغيرات التي ستحدد مسار الاقتصاد البريطاني وتحتاج إلى مدى زمني حتى تتضح الرؤية بشكل جلي، والمفاوضات على الاتفاقيات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي من المفترض أن تستغرق سنتين وقد تزيد وفيها عديد من التفاصيل التي يصعب توقع مآلاتها من الآن، وكذلك تلويح اسكتلندا بالتصويت للانفصال من المملكة المتحدة سيؤثر بشكل سلبي في الأوضاع الاقتصادية والتوقعات المستقبلية لسوق العقار البريطانية. الخلاصة، لا يمكن الجمع بين توقعات ما سيحصل لسوق العقار السكنية والتجارية، لكن بلا شك أن التجارب أثبتت أن تأثر قيم العقارات التجارية أكبر من السكنية في المدن ذات النشاط التجاري الكبير مثل لندن وهذا ما تؤكده دراسة حديثة للمجموعة المتخصصة ببيانات وتحليل الأسواق العقارية (CoStarGroup)، وبشكل عام إذا كنت ممن يملك عقارا سكنيا في لندن فلا تتوقع نمو قيمة العقار خلال المدى القريب بل من الممكن انخفاضها، أما إذا كان العقار معدا للإيجار فسيكون وضعه أفضل حالا لأن العائد من الإيجار سيوازن ضعف أو انخفاض قيمة العقار، وفي حال كنت ممن يقتنص الفرص فبعض الخبراء يرى أن هناك فرصا قد تظهر خلال الفترة المقبلة قريبة من الفرص التي حصلت في انخفاض 2008، لذلك أفضل ما يمكن لصاحب النقد أن يفعله الآن هو اتخاذ استراتيجية الانتظار والترقب مع مداومة متابعة السوق بشكل دوري، وبالتأكيد فإن أفق الاستثمار على المدى البعيد ستحددها الظروف الاقتصادية للندن وبريطانيا بشكل عام، لكن من المستبعد أن تفقد لندن مكانتها الاستراتيجية كمدينة مالية عالمية، ومركز استثماري جاذب.
إنشرها