العقار السكني من الاكتناز إلى التطوير
وردت في المادة السادسة للائحة التنفيذية لرسوم الأراضي البيضاء، تفاصيل مراحل تطبيق الرسم على الأراضي, التي تقع ضمن النطاق الذي حددته وزراة الإسكان في المدن (الرياض وجدة وحاضرة الدمام)، والتي بدأ تطبيق الرسم عليها منذ صدور اللائحة التنفيذية، وستليها خلال الأشهر القريبة المقبلة مدينتا مكة والمدينة, وورد في اللائحة التنفيذية أربع مراحل تدريجية يفترض أن يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى خلال 18 شهرا (سنة ونصف)، وفقا لما أوضحه مدير برنامج رسوم الأراضي البيضاء في وزارة الإسكان, إلا في حال قررت الوزارة تمديد المرحلة أو تعليقها وفقا لمؤشرات العرض والطلب ودراسة وضع السوق العقاري السكني ليتم اتخاذ القرار المناسب للانتقال إلى المرحلة التالية, ولكي نقرب الصورة أكثر ونوضح للقارئ الكريم كيف ستغير هذه المراحل استراتيجية التحرك في مجال التطوير العقاري السكني, ونحاول استقراء مستقبل السوق من خلال معرفة ردة فعل أصحاب الأراضي المفترضة حيال نظام الرسوم، وكيف يمكن لهذا النظام أن يلعب دورا مهما في تحول ثقافة المتعاملين في سوق العقار من اكتناز الأراضي وتداولها كسلعة إلى جعلها عنصرا من عناصر إنتاج الوحدات السكنية، وأن تعود قيمتها الاقتصادية الطبيعية، وهي باحتوائها على منشآت نافعة ذات قيمة مضافة للوطن والمواطن.
بدأت المرحلة الأولى لتطبيق نظام الرسوم بعد أن أقر مجلس الوزارء اللائحة التنفيذية في 08-09-1437هـ, وفي كل مرحلة سيتم إعطاء مهلة لأصحاب الأراضي لتسجيل أراضيهم الخاضعة للرسم وفقا لمحددات تلكم المرحلة من مساحة ونوع للأرض، سواء كانت مطورة أو غير مطورة، وذلك لمدة ستة أشهر, ثم يتم إعطاء أصحاب الأراضي مهلة لمدة سنة للسداد، وفي حال تجاوزها سيتم اعتبار ذلك مخالفة قد تستوجب فرض غرامة قد تصل إلى مضاعفة قيمة الرسم من 2.5 في المائة إلى 5 في المائة من قيمة الأرض, وتعتبر المرحلة الأولى محفزا لأصحاب الأراضي الخام فوق 10 آلاف متر مربع، التي لا تحتوي على أي خدمات بنية تحتية مثل الكهرباء وشبكة المياه والصرف الصحي والاتصالات والسفلتة والإنارة وغيرها من الخدمات لتحويلها إلى أراض يمكن بناء الوحدات السكنية عليها من قبل المواطنين أو المطورين أو بناة المساكن من المنشآت المتوسطة والصغيرة, لذلك تستهدف هذه المرحلة ضخ أكبر قدر ممكن من قطع الأراضي المطورة والمخدومة, حيث إن الأصل في أن يكون تطبيق الرسوم لها خلال 18 شهرا، لذلك من المفترض أن يكون معيار توازن هذه المرحلة بالذات هو توافر قطع الأراضي السكنية ذات البنية التحتية المكتملة، التي تتراوح مساحاتها بين (300 إلى 500) متر مربع بأسعار مناسبة، ويمكن أن يكون معيار هذه المرحلة ألا تتجاوز قيمة الأرض 10 في المائة إلى 30 في المائة من قيمة الوحدة السكنية حسب نوعها (شقة أو فيلا) وموقعها, ومن المتوقع في هذه المرحلة توافر الأراضي المطورة وكثرة العرض، وبالتالي تصحيح قيمة الأراضي السكنية ووصولها إلى مستوى يتناسب مع إمكانات الراغبين في السكن والمطورين وبناة المساكن، وفي المقابل خروج المضاربين والمكتنزين من سلسلة توريد الأراضي، التي أدت إلى تضخمها بشكل غير مبرر, بينما المراحل الثانية والثالثة والرابعة تستهدف التضييق على أصحاب الأراضي المخدومة ببنية تحتية ليتم تطويرها إلى وحدات سكنية؛ لأن أي أراض لمالك واحد تتجاوز مساحاتها خمسة آلاف متر مربع في مخطط واحد ستخضع للرسوم في المرحلة الثالثة, بينما الأراضي التي تعود ملكيتها لمالك واحد وتتجاوز 10 آلاف متر مربع في مدينة واحدة، سيتم تطبيق الرسوم عليها في المرحلة الرابعة، ولذا فإن ملاك الأراضي من بدء المرحلة الثانية إلى المرحلة الرابعة سيكونون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تطوير أراضيهم إلى منشآت سكنية وإما بيعها لمن يستطيع إنشاء هذه الوحدات السكنية عليها.
الخلاصة, من خلال استعراض الجدول الزمني الأساسي لرسوم الأراضي البيضاء، الذي سيمتد إلى ست سنوات حتى تطبيق المرحلة الرابعة, نجد أنه من المتوقع خلال سنة ونصف إلى سنتين أن يزيد حجم المعروض من قطع الأراضي المطورة ذات البنية التحتية المخدومة, ثم ما إن تبدأ المرحلة الثانية فسيبدأ تطوير الوحدات السكنية بشكل أكثر كثافة ليزيد حجم المعروض من الوحدات السكنية المتناسبة مع إمكانات الأغلبية الراغبة في السكن خلال ثلاث إلى ست سنوات, لكن كل هذا مرهون بكفاءة تطبيق اللائحة التنفيذية وضبط الاستثناءات ومحاولة تحفيز المطورين والضغط على أصحاب الأراضي للسداد أو التطوير, كما أن ضبط آلية التقييم والانتقال من مرحلة إلى أخرى ومتابعة السوق بشكل دروي سيعد عاملا مهما في نجاح تطبيق برنامج الرسوم وجعله مؤثرا في السوق, وأخيرا نصيحتي لأصحاب الأراضي الكبيرة (الخام) أن يبدأوا من الآن في التفكير الجاد والبحث عن الحلول الاحترافية للتطوير الشامل لأراضيهم؛ أي تطوير البنية التحتية والإنشاءات كذلك وعدم الاكتفاء بتطوير البنة التحتية فقط, وذلك لكي يتفادوا مخاطر الدخول في المراحل المستقبلية للرسوم لتصبح قراراتهم دائما خاضعة لضغط الانتقال من مرحلة إلى أخرى, وعلى وزارة الإسكان مساعدتهم على تحقيق ذلك من خلال مركز إتمام وغيرها من الوسائل المساعدة.