أخبار اقتصادية

تطبيق التقنيات الحديثة في معالجة مياه الصرف يوفر واردات بـ 10 مليارات دولار سنويا

تطبيق التقنيات الحديثة في معالجة مياه الصرف يوفر واردات بـ 10 مليارات دولار سنويا

يرتبط مستقبل الإنسانية بشكل حيوي بالتحول من الاقتصاد التقليدي "الذي يؤدي لاستنزاف الموارد الطبيعية وإلحاق الضرر بالبيئة" إلى الاقتصاد الصديق للبيئة الذي من شأنه توفير الظروف المطلوبة لحياة الأجيال المقبلة. وتقول فلسفة الاقتصاد الصديق للبيئة بأنه يضمن رفع رفاهية الناس وتحقيق العدالة الاجتماعية وفي الوقت نفسه يحمي البيئة المحيطة من التدهور. وأصبح اسم التقنيات الصديقة للبيئة أو التقنيات الخضراء، يطلق على الحلول والابتكارات التقنية الحديثة والإبداعية التي تعطي فعالية مزدوجة، بيئية واجتماعية. ولا شك أن خطة التحول الوطني السعودي الشاملة التي أعلنتها قيادة المملكة ستشجع تنمية التقنيات والمبادئ الخاصة بالاقتصاد الصديق للبيئة في شتى المجالات، بما في ذلك في قطاع المياه الحيوي. ومن أهم أهداف تنمية قطاع المياه توفير إمكانية الاستفادة الكاملة من المياه المعالجة لأغراض الري والصناعة والخدمات البلدية، وذلك مبني على ضمان الجودة العالية لتلك المياه. ويؤكد خبراء مختصون أن تطبيق التقنيات الجديدة لمعالجة مياه الصرف وتوليد الطاقة الحرارية في محطات المعالجة ستعطي للمملكة واردات إضافية لا تقل عن عشرة مليارات دولار سنويا. ويمكن القول، إن أغلبية محطات معالجة مياه الصرف "الصحي والصناعي" في المملكة صممت وفق أسس التقنيات الأوروبية من القرن الماضي. وتشمل هذه التصاميم المعدة لإنشاء محطات جديدة، فهي لا تستخدم التصاميم التقنية الحديثة لأسباب يطول تفسيرها. ومن الواضح أن الاستمرار في إنشاء محطات المعالجة الجديدة وفقا للتصاميم القديمة يكرس المشكلات البيئية التي تعاني منها محطات المعالجة في المملكة، وتحد من الاستفادة من المياه المنتجة نظرا لرداءة جدوتها، كما أنها تؤدي إلى زيادة المصاريف التأسيسية والتشغيلية وأعمال الصيانة. من جانب آخر، توجد في المملكة آفاق واسعة وإمكانات فعلية لتطبيق التقنيات الحديثة، وتؤكد ذلك الاستنتاج خبرة شركة إيكوس في السعودية. وتتخصص شركة إيكوس الروسية في تصميم وتنفيذ وتطوير محطات المعالجة لمياه الصرف الصحي والصناعي فقد نفذت في بلدها أكثر من 400 مشروع في هذا المجال. ويعمل مركز الأبحاث العلمية التجريبية، ومعهد التصاميم الخاص بالشركة على تطوير الحلول التقنية والتصميمية الجديدة وقد منح كثير منها براءات الاختراع في روسيا وخارجها. ودخلت شركة إيكوس سوق المملكة في عام 2006 من خلال مشروع تطوير محطة المعالجة في حي الجزيرة في الرياض حيث تم تطبيق أحدث التقنيات الروسية. ومحطة الجزيرة كانت مصممة لطاقة 3000 متر مكعب من مياه الصرف في اليوم، لكنها أصبحت تستقبل أكثر من 5000 متر أي نحو الضعف، ولذلك كان هدف المشروع هو زيادة الطاقة التصميمية ورفع نوعية المعالجة بمقدار 60 - 70 في المائة لتمكين استخدام الناتج المعالج لأغراض الري. وفي نتيجة المشروع الذي طبقت فيه "إيكوس" النو-هاو الخاص بها تم تحسين نوعية المعالجة بـ78 في المائة ورفع إنتاجية المحطة بـ 70 في المائة، وفي المقابل زادت تكاليف التشغيل بنسبة 10 في المائة فقط. وتم التأكيد على تلك النتائج من قبل المختص الأقدم في شركة فيوليا الفرنسية التي تعد الشركة الرائدة على مستوى العالم في مجال معالجة المياه. وفي عام 2013، فازت "إيكوس" في المناقصة الخاصة بتطوير محطة منفوحة لمعالجة الصرف الصحي (الجزء الشمالي والجزء الشرقي )، وهي أكبر وأقدم محطة معالجة داخل الرياض. وفي نتيجة النمو السريع للعاصمة السعودية، زاد الحمل على تلك المحطة فأصبح هدف المشروع هو زيادة الطاقة الإجمالية للمرحلتين من 400 ألف إلى 500 ألف متر مكعب في اليوم وكذلك تحسين جذري لجودة المياه المعالجة، بحيث تتوافق والقياسات السعودية المطلوبة لإعادة استخدام المياه. ومن تعقيدات المشروع الشرط أن تتم أعمال التطوير دون إيقاف المحطات ودون إنشاء أحواض جديدة للمعالجة، نظرا لضيق المكان. فقد اتخذ مختصو "إيكوس" قرارا بتطبيق تقنية جديدة في منفوحة هي تقنية الغشاء البيولوجي المسكون Immobilized Biofilm Reactor مع توفير عملية أناموكس (أنايروبيك أمونيا أوكسيدايشن). وكلمة أناموكس تعني العملية التي تتم بواسطة البكتيريا التي أيضا سميت بهذا الاسم، وتعد أناموكس من أقدم أنواع البكتيريا الموجودة على كرتنا الأرضية وهي تعيش في أعماق المحيط وتلعب الدور الأساسي في ضمان ميزان النيتروجبن في البيئة البيولوجية (الهواء واليابسة والمياه) ويعود لنشاط تلك البكتيربا فضل استمرارية الحياة على الأرض. وبدأت المحاولات الأولى لاستخدام تلك البكتيريا لأغراض المعالجة في عام 2006 وقد تمكنت شركة إيكوس من تطبيقها عمليا في عام 2009، ثم زرعت التقنية نفسها في المحطات الموردة لمشاريع الألعاب الأولمبية العالمية في مدينة سوتشي الروسية في عام 2014. وفي عام 2015 منحت "إيكوس" جائزة الدولة لقاء تطوير الأسس العلمية لاستخدام تقنية أناموكس الحديثة، وذلك بالتعاون مع أكاديمية العلوم الروسية. وتضمن تقنية أناموكس إزالة نيتروجين أمونيا وغيرها من التركيبات الملوثة من مياه الصرف، وبفضل ذلك يصبح بالإمكان تخزين المياه المعالجة خلال فترة طويلة من الزمن قبل إعادة استخدامها، الأمر البالغ الأهمية في ظروف المناخ الحار حيث من الصعب جدا الحيلولة دون إعادة تلوث المياه المعالجة أثناء تخزينها ونقلها للمستهلك. ويقول فلاديمير فوميتشوف، مدير فرع "إيكوس" في السعودية، "نعتز بنجاحنا في تطبيق تقنية أناموكس لأول مرة ليس في المملكة فحسب وإنما على نطاق منطقة الخليج، بل القارة الآسيوية بأكملها، وبفضلها نرى في نتائج التحاليل المخبرية أن نسبة نيتروجين أمونيا المتبقية تعادل (الصفر) علما بأن تلك المادة تعد الأكثر تعقيدا للمعالجة، كما أن جميع المواصفات الأخرى للمياه المعالجة أحسن من متطلبات العقد بغض النظر عن أن تركيز الملوثات في المياه الواردة للمعالجة، كانت تتفوق في المستوى المسموح بالتصميم كثيرا إلى 50 في المائة". ولفت إلى أن تقنياتنا موفرة لاستهلاك الطاقة، فمع زيادة طاقة المحطتين بنحو 25 في المائة، وتحسين نوعية المياه المعالجة عدة أضعاف فإن معدل استهلاك الكهرباء للمتر المكعب الواحد انخفض أكثر من 25 في المائة، وبالتالي تم توفير أكثر من 11 مليون كيلو واط ساعة من الكهرباء في عام 2015 مقارنة بعام 2013 قبل التطوير. وابتداء من شهر نوفمبر 2015 بعد تنفيذ أعمال التطوير الأساسية، بدأ توريد المياه المعالجة للري بالكميات المطلوبة، فيما تشير الحسابات إلى أنه لو كان مالك المشروع - شركة المياه الوطنية - يبيع كل المياه المعالجة بالسعر الموجود في السوق، فإن مصاريف المشروع ستعاد خلال شهر ونصف الشهر أو شهرين فقط". وأثناء تنفيذ مشروع منفوحة زار مختصو "إيكوس" عددا من المحطات في المدن السعودية الأخرى هي المدينة المنورة وجدة والجبيل وبريدة وهيت، وفي كل مكان كانت إدارة المحطة تثير موضوع التلوث الثانوي للمياه المعالجة، ما يعقد كثيرا إمكانات إعادة استخدامها، وتؤكد شركتنا أنها مستعدة لتطبيق تجربة منفوحة الناجحة غلى محطات أخرى في المملكة لتحقيق النتائج المميزة نفسها. وثمة قضية أخرى بالغة الأهمية متعلقة بمعالجة مياه الصرف ألا وهي مشكلة الحمأة المنتجة خلال المعالجة وبكميات كبيرة جدا (نحو 200 ألف طن سنويا في منفوحة وملايين الأطنان على مستوى المملكة). ومن أجل إيجاد الحلول المثلى تقوم "إيكوس" بالتعاون مع العلماء القياديين في مجال الفيزياء النظرية بتطوير تقنيات لمعالجة الحمأة لتسمح ليس فقط بإزالة التأثير السلبي للحمأة على البيئة، وإنما تصبح مصدرا للطاقة كافيا لتلبية حاجات المحطة. فقد تم وضع الأسس النظرية للتقنية الجديدة وتصميم الوحدة التجريبية وتجري حاليا التجارب بها. ونأمل أن نستكمل التجارب في المستقبل القريب بحيث نتمكن أن ننتج في محطات المعالجة، إضافة إلى المياه عالية الجودة والصالحة للاستخدام الواسع، ننتج كذلك من الحمأة الطاقة الكهربائية والطاقة الحرارية التي من المعروف أنها تحول للاستخدام في منظومات التبريد. ويتطلب تطبيق مبادئ وتقنيات الاقتصاد الصديق للبيئة توسيع التعاون مع شركات القطاع الخاص بهدف الاستثمار في تطوير وتطبيق تقنيات حديثة وتنفيذ المشاريع بشروط. BOT (build-operate-transfer) و BOO (build-own-operate). وبهدف المشاركة في هذا النشاط أقامت "إيكوس" التعاون مع شركة سعودية كبيرة - هي مجموعة سدر المعروفة، واتخذ القرار بتأسيس الشركة المشتركة بيننا التي ستجمع بين الطاقات الهندسية والتقنية لدى "إيكوس" وقدرات سدر المالية والإدارية والإنتاجية. ومن خلال الشركة المشتركة ننوي المشاركة في مناقصات الدولة، وكذلك تنفيذ المشاريع الاستثمارية وإنشاء معمل مشترك للمحطات المدمجة وتنفيذ عقود طويلة الأجل لتشغيل وصيانة المحطات. وتؤكد التجربة الناجحة لشركة "إيكوس" في المملكة، أن تطبيق التقنيات الحديثة في معالجة مياه الصرف أمر مجدٍ اقتصاديا حيث تثبت النتائج العملية من خلال تحقيق مشاريع تطوير محطات المعالجة الموجودة مع تطبيق التقنيات الحديثة، تخفيض الأضرار والتأثير السلبي على البيئة وتوفير كميات كبيرة من المياه الحلوة وتخفيض مصاريف التشغيل والصيانة بما في ذلك توفير الطاقة الكهربائية وفي النتيجة الحصول على فائدة اقتصادية كبيرة. كما تشير الحسابات إلى أن الفائدة الاقتصادية المحققة نتيجة التقدم في مجال استخدام المياه المعالجة، إضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية والطاقة الحرارية في محطات المعالجة قد تصل على مستوى المملكة إلى نحو عشرة مليارات دولار في السنة من الواردات الإضافية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية