Author

«الضمير العالمي» في أزمة

|
بعد أن تقرأ هذه المقال، هل يمكن أن تتخيل نفسك ولو لدقائق، رقما فرديا بين أكثر من 45 مليون إنسان على كوكب الأرض يعانون عبودية القرن الـ 21 بحسب مؤشر العبودية العالمية لمنظمة Walk Free الحقوقية، الذي صدم بنتائجه في 31 من أيار (مايو) الماضي، معظم وسائل الإعلام العالمية التي تعاطت مع الرقم بمزيج من الدهشة والذهول! أعتقد أن منظمات وهيئات حقوق الإنسان في العالم تعيش أياما مخجلة بعد هذه الأرقام المليونية من البشر الخاضعين بشكل أو آخر لمفهوم "الاستعباد". إن التقارير الحقوقية التي تصدر من مكاتب فارهة في عواصم الدول هي اليوم تواجه اختبارا صعبا في منهج المسؤولية والمصداقية. نعرف أن هذه المنظمات، في كثير من الدول، هي في الغالب مؤسسات مجتمع مدني لا تملك عصا التشريع ولا التنفيذ ولا المحاسبة، لكنها تملك جرس الإنذار حول وجود ظواهر انتهاكية لحقوق الإنسان لا يكفي معها إصدار التقارير السنوية بل بات عليها تزويد الرأي العام بمعلومات أكثر دقة وتفصيلا حول الممارسات التي تجعل من حياة ملايين البشر تحت مستويات الكرامة الإنسانية وعرضة يومية للانتهاك والابتزاز والإكراه. التقرير الصادر عن ارتفاع مؤشر الانتهاكات تلك بنحو 28 في المائة عن عام 2014 أي نحو عشرة ملايين إنسان هو أمر يثير القلق بغض النظر عن دقة تلك الأرقام لكنها على كل حال تتقاطع مع قضايا نراها ونلمسها في حياتنا اليومية سواء العمل تحت ظروف غير إنسانية أو تهريب البشر أو استغلال الأطفال في تهريب المخدرات، أو الدعارة القسرية. كلها ملفات بات على الجهات المعنية بحقوق الإنسان في كل بلد أن تفتحها بشفافية عالية وأن تضع إصبعها في عين الجهات المقصرة سواء في تشريعاتها أو آلياتها أو حتى هيكلتها العامة للحد من تنامي معدلات انتهاك الكرامة الإنسانية وحق الإنسان في العيش الكريم. شخصيا: أتمنى على المستويين العربي والمحلي، أن نقرأ في الأيام القادمة تحركات تعكس الاهتمام بتفنيد نتائج هذا المؤشر، وألا يتم تجاهله أو التقليل منه أو نفي كل ما جاء فيه، خاصة ونقرة "ماوس" واحدة كفيلة بأن تجعل من بعض البيانات التبريرية مجرد: نكتة سمجة لا أكثر! نحتاج كرأي عام إلى تقارير تعكس احترام وعي الناس وتفند كل شيء، وتتحدث بوضوح عن الإجراءات التي تمت، والتشريعات التي أقرت، والعقوبات التي أصدرت، للتقليل من حدة تلك الممارسات التي تتعارض وكل الأديان السماوية، وتجعل من مدنية العالم فصلا في مسرحية ساخرة، وهيبة القانون الدولي حبرا على ورق! نعم هناك من سيخرج ليشكك في مصداقية تلك المؤشرات أو نواياها أو أهدافها، وهناك من سيجدها فرصة لتصفية حسابات هنا أو هناك، لكن المطلوب أكثر من هذا وذاك؛ ألا وهو: عقد مؤتمر دولي تحت مظلة الأمم المتحدة ومشاركة كل الدول الأعضاء، لإعادة تعريف مصطلح "العبودية" ووضع وثيقة محدثة لآلية الحد من الممارسات الاستعبادية، وإنشاء مؤشر أممي لرصد الانتهاكات الإنسانية ضد الإنسانية! وريثما يفكر ويقرر "الضمير العالمي" مواجهة نفسه، ألا يجب على كل فرد منا أن يفكر في كل ما حوله ويقرر التوقف عن أي ممارسة أو سلوك يشتبه في أنه يؤدي للإكراه أو الابتزاز أو الاستغلال أو المتاجرة بالإنسان.. وأن نتذكر دوما ما قاله الخليفة العادل عمر بن الخطاب في حادثة معروفة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
إنشرها