القطاع غير الربحي .. رؤية ستتحقق
لا تزال أصداء «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» والتي دشنها ولي ولي العهد أخيرا، كخريطة طريق ترسم مستقبلا يتسم بالانضباط المؤسسي، والعمل وفق الخطط المعدة سلفا التي يفترض ألا تتأثر بالأشخاص، بل الجميع يسعى إلى الوصول للهدف بحلول عام التحقق بمشيئة الله. أحد أهم أهداف «الرؤية» يتناول تطوير العمل التطوعي، والقطاع غير الربحي، ومأسسة وإدارة الأوقاف في المملكة. ذكرت الأهداف أن مساهمة القطاع غير الهادف للربح في إجمالي الناتج المحلي حاليا تمثل ما نسبته 0.3 في المائة في حين أن المتوسط العالمي يصل إلى نسبة 6 في المائة، هذا فارق كبير جدا من ناحية تفعيل دور القطاع الثالث. كما أشارت «الرؤية» إلى أن عدد المتطوعين المسجلين سنويا يوازي 11 ألف متطوع، وستعمل مؤسسات الدولة بمشاركة القطاعات الأخرى للوصول بهذا الرقم إلى مليون متطوع سنويا، ما سيشكل قيمة وثروة استثمارية وبشرية مهدرة وغير فاعلة حاليا.
أحد أهم معوقات العمل التطوعي في المملكة عدم وجود عدد كاف من المؤسسات الخيرية المانحة التي تدعم المشاريع وتسهم في إيجاد فرص تطوعية تساعد على تنمية القطاع غير الربحي. عدد الجمعيات الخيرية المانحة في المملكة لا يتجاوز المائة، 61 في المائة تتركز في منطقة الرياض، 22 في المائة في المنطقة الغربية، و7 في المائة في المنطقة الشرقية، و5 في المائة في منطقة القصيم، ونسبة 1 في المائة لكل من منطقة عسير والحدود الشمالية (مداد، 2014). وأكثر هذه المؤسسات تعد مؤسسات خيرية عائلية أنشئت لخدمة أغراض محدودة وتدار بقدرات بسيطة. وعند مقارنة ذلك بما يتحقق في الدول المتقدمة نجد أن نسبة 0.3 في المائة مساهمة للقطاع الخيري في إجمالي الناتج المحلي نسبة عادلة رقميا وغير عادلة من ناحية مكانة ووضع المملكة كدولة تمثل مرتكزا للعالم الإسلامي، ويتبين لنا أن الخلل الفعلي في وجود الأنظمة والتشريعات الداعمة والمحفزة لتأسيس المؤسسات الخيرية الداعمة.
لأغراض المقارنة فإن الولايات المتحدة تمتلك ما يزيد على 75 ألف مؤسسة خيرية مانحة، وبريطانيا تسعة آلاف منظمة، وأستراليا ألفي جهة، تمتلك هذه المنظمات أصولا وقفية تدار بمئات المليارات من الدولارات من أجل تغطية وتفعيل العمل التطوعي (الحيدري، "الاقتصادية" 2010).
في المملكة عاب العمل التطوعي كثيرا اعتماده على التطوع الفردي دون العمل المؤسسي. كما عابه الاعتماد على نوع أو شكل محدد من العمل التطوعي قد لا يحقق الفائدة المستدامة منه بقدر ما تكون فائدته محدودة أو غير ملحة.
ما يدعو للتفاؤل أن «رؤية المملكة 2030» لم تغفل هذا الجانب، بل إننا بدأنا نلمس بعضا من التطوير في هذا المجال تمثل في صدور نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ونظام الهيئة العامة للأوقاف، والعمل على إصدار نظام العمل التطوعي قريبا كما وعدت بذلك وزارة الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى الحرص على مأسسة القطاع غير الربحي وتحقيق أعلى مستويات الشفافية وتطبيق معايير الحوكمة الرشيدة بما يحقق الأهداف المرجوة.
يبقى أن نرى تفاعل بقية الجهات الرسمية لتبني نظام العمل التطوعي وإشراك جميع شرائح المجتمع في ذلك، من خلال المناهج الدراسية والأنشطة اللاصيفية، واعتماد العمل التطوعي كأحد مؤشرات التقييم للعاملين ومحفز لمزيد من المشاركة والتطوير الدائمين. وستتحقق حينئذ «رؤية المملكة» من تفعيل دور القطاع الثالث كقطاع منتج ومؤثر في الاقتصاد والحياة العامة.