أخبار اقتصادية

تجارة البن العالمية تلامس 47 مليار دولار بنهاية 2020

تجارة البن العالمية
تلامس 47 مليار دولار
بنهاية 2020

يعد تناول فنجان القهوة الصباحي لملايين من البشر جزءا من روتين يومي معتاد ومحبوب، ولملايين آخرين من مزارعي وتجار ومصنعي البن، فإن هذا الغرام والعشق للقهوة هو الضمانة الوحيدة لمواصلة جني الأرباح. وبكل المعايير فإن أداء سوق البن العالمية خلال السنوات الخمس الماضية من 2011 - 2015 كان جيدا للغاية، حيث تشير أغلب التوقعات إلى أنه سيواصل انتعاشته أيضا خلال السنوات الخمس المقبلة 2016 - 2020. ولزيادة الطلب والاستهلاك العالمي على القهوة، الدور الرئيسي في الانتعاش الراهن في الأسواق، وأوضح لـ "الاقتصادية"، جوردن ناتشيلسوا نائب رئيس تحرير مجلة "الطعام والمشروبات"، أن هناك تحولات ضخمة يشهدها الذوق العالمي تجاه القهوة، إذ زاد الطلب عليها في بلدان كانت تعد تاريخيا من مستهلكي الشاي مثل بريطانيا التي تحولت من مستهلك رئيسي للشاي إلى مستهلك قوي ومؤثر في سوق القهوة العالمية، ووفقا لآخر البيانات المتاحة فإن الاستهلاك اليومي بلغ 70 مليون فنجان قهوة يوميا. وأضاف جوردن، أن "التغييرات القوية في سوق القهوة جاءت في نهاية المطاف من بلدان مثل الهند والصين وأمريكا اللاتينية"، مشيرا إلى أن عملية التحديث المجتمعي الهائلة في تلك الدول، واتساع النطاق العمراني للمدن فيها، وارتفاع المستوى المعيشي، والكم الضخم من المقاهي الحديثة التي تقدم أنواعا متعددة من مشروب القهوة مثل "ستاربكس" و"كوستا"، وباتت بالعشرات في معظم مدن وبلدات الصين والهند دفعت الأسواق في اتجاهات إيجابية. وبالفعل فقد زادت قيمة الاستهلاك العالمي من القهوة لتبلغ الآن 41 مليار دولار سنويا، وسط توقعات المختصين بأن يقفز الاستهلاك الدولي إلى 47 مليار دولار بنهاية العقد الحالي، على الرغم من حالة الركود التي يشهدها الاقتصاد العالمي. وتقول لـ "الاقتصادية"، سارة بيري المختصة في تجارة البن ومؤلفة كتاب "مرشد القهوة"، "إن موجة الانتعاش والطفرة التي حدثت لمقاهي القهوة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بلغت ذروتها وبدأت في مرحلة التراجع، في البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا وفرنسا، لكن مع ذلك ارتفع الطلب الدولي على مشروب القهوة لأسباب أخرى، أبرزها تطور التكنولوجيا التي أدت إلى ارتفاع الاستهلاك المنزلي من المشروب، فالآن يوجد عديد من الأجهزة المنزلية القادرة على إعداد أنواع متنوعة من القهوة بسهولة شديدة، وأغلب تلك الأجهزة مقبولة الثمن وفي متناول قطاع عريض من الأسر متوسطة الدخل، فثلث سكان بريطانيا على سبيل المثال يمتلكون معدات لإعداد القهوة في منازلهم، يضاف إلى ذلك التنوع الكبير في طبيعة المشروب ذاته وتقديمه بأذواق مختلفة تلائم القطاعات الشابة، وقد نجح بذلك في جذب أعداد من المستهلكين لم يكونوا تقليديا من متذوقي القهوة". وتقدر المنظمة العالمية للقهوة حجم الاستهلاك الدولي من البن في 2014 بنحو 150.2 مليون كيس، ويبلغ حجم الكيس تقليديا نحو 60 كيلو جراما، وقد قفز الاستهلاك العالمي في 2015 ليصل إلى 152.1 مليون كيس من البن، وبلغ معدل النمو السنوي للاستهلاك نحو 2 في المائة خلال السنوات الأربع الماضية. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يعد أكبر مستهلك في العالم للبن فإن استهلاكه اتسم بالركود في السنوات الأخيرة، إذ لم يتجاوز 42 مليون كيس، بزيادة سنوية تقدر بـ 0.8 في المائة منذ عام 2012، وفي المقابل حافظ المستهلك الأمريكي على علاقته الإيجابية بالمشروبات المتنوعة من القهوة، ونما الاستهلاك الأمريكي بنحو 3.2 في المائة ليصل إجمالي الاستهلاك إلى 24.4 مليون كيس من حبات البن، أما اليابان فقد حافظت هي الأخرى على موقع متقدم في مجال الاستهلاك لتصل إلى 7.6 مليون كيس، بإجمالي يقدر بـ 7.6 مليون كيس من القهوة، وبذلك بلغ الاستهلاك الإجمالي من البن في البلدان المستوردة قرابة 104.9 مليون كيس خلال 2015. إلا أن الدور المهم لزيادة الطلب في إنعاش الأسواق، لا يتناقض مع قيام المنتجين بالتكيف سريعا مع احتياجات المستهلكين، وتطوير قدرتهم الإنتاجية كما ونوعا، ما أسهم بشكل ملحوظ في ضمان استقرار العلاقة بين الجانبين. لكن المشكلة الرئيسية التي تواجه كثيرا من منتجي البن حول العالم، هي أن أغلب البلدان المنتجة تعد أيضا مستهلكا بارزا للقهوة كما هو الحال في البرازيل أكبر منتج للبن في العالم وإثيوبيا التي تواجه تحديات خطيرة في هذا المجال. فعند ذكر البن، فإن الذاكرة ربما لا تسعفنا بأحد آخر تحمله بين ثناياها غير إثيوبيا الموطن الأصلي لشجرة البن، لكن موطن البن يواجه الآن تحديات خطيرة، ربما يواجهها لأول مرة في تاريخه، ويتعلق الأمر بسؤال بسيط لكنه حيوي ويرتبط بالطريقة المثلى للتصرف في الناتج القومي الإثيوبي من البن؟ فالسوق الإثيوبية تواجه معضلة، هل يجب تصدير الإنتاج القومي من البن، والحصول على عملة أجنبية لتمويل مشاريع البنية الأساسية، وتحديدا مشروع سد النهضة، خاصة أن المؤشرات في سوق البن العالمية إيجابية تجاه الأسعار مستقبلا؟ أم يجب الأخذ في الاعتبار السوق المحلية حيث يعد الإثيوبيون أكثر الشعوب الإفريقية استهلاكا للبن، في الوقت الذي يتجه فيه الاستهلاك المحلي إلى الزيادة إثر الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده البلاد، الذي أدى إلى هجرة أعداد كبيرة من سكان القرى إلى المدن بحثا عن عمل، ومن ثم الزيادة الكبيرة في أعداد سكان المدن وارتفاع مستوى معيشتهم. وقد لا تبدو المعضلة الإثيوبية فريدة من نوعها فهي أيضا تواجه البرازيل وكولومبيا وإندونيسيا، لكنها تأخذ في إثيوبيا شكلا أكثر حدة لأن قطاع تجارة البن يمد البلاد بنحو 31 في المائة من احتياجاتها من العملة الصعبة، ويعيل أكثر من 15 مليون شخص ترتبط أرزاقهم بزراعة وصناعة وتجارة البن. وأوضح لـ "الاقتصادية"، روجر بري المحلل في سوق السلع الأولية، أن أغلب التوقعات تشير إلى زيادة صادرات إثيوبيا من البن هذا العام بنحو 45 في المائة، لتجني وفقا للأسعار الحالية نحو 900 مليون دولار إضافية أي ما يزيد بنسبة 15 في المائة عن العام الماضي، على الرغم من أن الجفاف ضرب بعض مناطق البلاد، ونظرا للإقبال العالمي على البن الإثيوبي، والعقوبات التي فرضتها اليابان على إثيوبيا عام 2008 لمدة عامين، بعد أن وجدت أنواعا من الحشرات في وارداتها من البن، دفع إثيوبيا إلى تحسين إنتاجها، والاهتمام بجودة المحصول وطرق التغليف، ما يجعلها حاليا من أكثر مصدري البن نجاحا. ويبدو الأفق واعدا لزراعة البن في إثيوبيا، فلا يزال هناك مجال كبير لتطوير الإنتاج وزيادة إنتاجية الهكتار التي لا تتجاوز إنتاجيته حاليا 700 كيلو جرام في المتوسط بينما تصل في بلدان أخرى إلى 1300 كيلو جرام للهكتار الواحد. الحكومة الإثيوبية وفي ظل حاجتها الماسة إلى العملة الصعبة، ومع إدراكها حجم الاستهلاك الشعبي للقهوة لم يكن أمامها غير "إمساك العصا من المنتصف" تصدير الأنواع الجيدة للخارج، والإبقاء على الأنواع الأقل جودة للاستهلاك المحلي، وقد أفلحت تلك الطريقة في الإتيان بثمارها، إذ أرضت إلى حد كبير جميع الأطراف، خاصة بعد أن فرضت الحكومة غرامات عنيفة على كل من يخالف القانون باستهلاك البن عالي الجودة محليا. ولكن الدكتورة ويندي وود أستاذة التجارة الدولية ترى أن سياسة الإمساك بالعصا من المنتصف لن تفلح لفترة طويلة، مضيفة أن "أديس أبابا ستحسم أمرها في نهاية المطاف بالانحياز إلى سياسة التصدير الكلي للخارج سواء الأنواع الجيدة أو الأقل جودة التي تستهلك محليا الآن". وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن "إثيوبيا حققت خلال العقد الماضي أعلى معدل تنمية في القارة الإفريقية بأكثر من 10 في المائة سنويا، وهذا أدى إلى اتساع نطاق استهلاك القهوة، ومعدل الاستهلاك ينمو بسرعة تفوق نمو الإنتاج، فإذا استمرت إثيوبيا في تلبية الاحتياجات المحلية، فإن ذلك سيسهم في تقليص العائد من التصدير، وهو ما لا تستطيع أديس أبابا تحمله". لكن إيجاد نقطة التوازن بين الاستهلاك المحلي والتصدير يصطدم بتحد آخر من الخارج هذه المرة، فالبرازيل أكبر منتج للقهوة في العالم حققت مستويات غير مسبوقة في الإنتاج، خاصة في البن عالي الجودة من نوع "أرابيكا"، ويضاف إلى ذلك انخفاض قيمة الريال البرازيلي في مواجهة الدولار بنحو 30 في المائة، ما شجع الأسواق الدولية على الاستيراد من البرازيل. كما أن إثيوبيا تواجه منافسة حادة من جيرانها الإقليميين مثل كينيا وتنزانيا، اللتين يمكنهما تصدير كميات أكبر من إنتاجهما من البن في ظل تفضيل السكان تناول الشاي عن القهوة، وإذ يشير أغلب المختصين إلى أن الاتجاهات السعرية المستقبلية هي بالزيادة، فإن الأفق المشرق للبن لا يعني أن الأمر يخلو من تحديات تتجاوز الحسابات المادية المحضة للربح والخسارة المالية. وتشير دراسة حديثه عن مستقبل القهوة في القرن الحادي والعشرين إلى أن زيادة الطلب على القهوة تتطلب مضاعفة حجم الإنتاج ثلاث مرات بحلول عام 2050، ولمواجهة تلك الزيادة فستكون صناعة القهوة ملزمة بزيادة الإنتاج بنحو 14 مليون طن سنويا، وإذا لم تفلح الأبحاث العلمية في إحداث طفرات ملموسة في معدل إنتاج الهكتار، فلن يكون أمام المشرفين على تلك الصناعة غير زيادة المساحة المزروعة بنحو الضعف. لكن هناك مخاوف حقيقية من أن تؤدي التغيرات المناخية إلى ترك تأثريات سلبية في مناطق زراعة البن، إذ يتوقع أن تتراجع المساحات الصالحة لزراعة أشجار البن إلى النصف، ما قد يدفع بالمنتجين إلى السعي للتغلب على المشكلة، خاصة في المناطق الاستوائية في أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، عبر إزالة الغابات واستغلال تلك المساحات الجديدة لزراعة أشجار البن. ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور هارولد إيثر أستاذ زراعة المحاصيل التجارية في جامعة ريدينج، "إن الطلب العالمي على البن سيتصاعد خلال الـ 35 عاما المقبلة، والتحدي الأكبر يكمن في كيفية مواجهة هذا الطلب، فنحو 60 في المائة من المناطق الصالحة للإنتاج عام 2050 مغطاة بالغابات حاليا، وإذا أردنا الحفاظ عليها كمناطق غابية وعدم إزالتها، وفي الوقت ذاته تلبية الطلب العالمي على البن، فعلينا زيادة الإنتاج بنحو ثلاثة أضعاف المستوى الراهن وهذا تحد كبير، وهناك شكوك تحيط بقدرة المنتجين والتطور العلمي على تحقيق ذلك". ويتوقع المختصون أن تشهد أسعار البن وتحديدا من نوع "الروبوستا" ذي المذاق الحاد والأكثر مرارة ارتفاعا خلال الأشهر المقبلة، ويفسر ذلك لـ "الاقتصادية" طوني ماك كريستال المحلل المالي في بورصة لندن، بأن هناك تراجعا حادا في الإنتاج العالمي من بن "الروبوستا"، حيث تراجع الإنتاج في فيتنام والهند بنحو 30 في المائة نتيجة موجة الجفاف التي تضرب منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا حاليا، كما انخفض الإنتاج في البرازيل إثر تراجع معدل سقوط الأمطار. وحول التوقعات المستقبلية بشأن الأسعار، أوضح لـ "الاقتصادية"، ألفريد إليبي نائب رئيس فرع منظمة القهوة العالمية في لندن، أن القهوة مثلها مثل كل السلع التي تطرح في الأسواق العالمية تعتمد على العلاقة بين العرض والطلب، والمنظمة كانت تتوقع انخفاض الإنتاج العالمي من حبوب البن من نوع "آرابيكا" بنسبة -0.1 في المائة خلال العام الحالي، مقابل زيادة بـ 3.7 في المائة في الإنتاج العالمي من حبوب بن الروبوستا، لكن الجفاف الذي ضرب عددا من المنتجين أدى إلى تراجع الإنتاج العالمي من بن الروبوستا، وهذا حتما يعني أن الزيادة الكلية في الإنتاج العالمي من البن لن تكون كافية لمعادلة الطلب الدولي. وأضاف إليبي أن "بدايات هذا الوضع ظهرت خلال الفترة من تشرين الأول (أكتوبر) 2015 إلى شباط (فبراير) من 2016، فبينما بلغت الصادرات العالمية من بن آرابيكا 70.98 مليون كيس من البن مقارنة بـ 68.59 مليون كيس خلال الفترة نفسها من العام الماضي، فإن صادرات بن الروبوستا تراجعت بشدة خلال الفترة نفسها من 45.80 مليون كيس إلى 41.86، ونتوقع لها مزيدا من التراجع، ولهذا فإن زيادة الأسعار في الأجل القريب أمر حتمي".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية