التحول .. واختزال مجالات تنموية بتقنية عالية

مع تبلور «رؤية السعودية 2030» وأخذها شكلها النهائي، تظهر جليا أهمية الاقتصاد كمحور أساس في هذه الرؤية الطموحة. فتعددت الأهداف التي طرحتها الرؤية، ولكن يمكن اختزالها جميعا بجميع محاورها في هدف رئيس واحد، هو رفاهية المواطن. ولذلك جاء عديد من الأهداف الاقتصادية بشكل يؤكد ضرورة نمو الاقتصاد ككل والاستفادة من جميع إمكاناته حتى يرتفع نصيب المواطن من إجمالي الناتج المحلي. إضافة إلى ذلك، توجد أهداف رئيسة مساندة تدعم رفاهية الفرد الاقتصادية مثل توفير الوظائف ورفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي، إضافة إلى تطوير قطاع التجزئة بشكل يتناسب مع حجم الاقتصاد السعودي.
أهم الأهداف التي وضعتها «رؤية السعودية 2030» لقياس مدى حجم التغيير في الاقتصاد هو الوصول به إلى ترتيب عالمي أعلى، ليكون بين أكبر 15 اقتصادا على مستوى العالم بدلا من ترتيبه الحالي عند المرتبة 19. ولأجل تحقيق ذلك، فسيتم فتح وتطوير عدد من المجالات الإضافية التي تعد هامشية نسبة إلى إسهامها في إجمالي الناتج المحلي مثل التعدين وتوليد الطاقة والخدمات اللوجستية، إضافة إلى توطين الصناعات الأساسية القائمة من نفط وغاز ورفع مستوى المحتوى المحلي إلى ما يقارب ضعف المستوى الحالي.
ولكن قبل ذلك، يجب أن نوجه أنظارنا إلى الاقتصاد بشكله الحالي، فإعادة توجيهه وإصلاحه بشكل يأخذ مصلحة الوطن ورفاهية المواطن كأولوية قصوى سيؤدي إلى نتائج أسرع وأقل تكلفة من بناء صناعات جديدة. اقتصاد المملكة في شكله الحالي يمكنه استيعاب جميع احتياجات المواطن من وظائف ورعاية صحية واحتياجات أساسية من سكن ومياه وكهرباء وغذاء لو تم إعادة ترتيبها. فهو اقتصاد تشكل فيه القوى العاملة ما يقارب 14 مليون فرد، منها ما يقارب عشرة ملايين أجنبي. ولذلك فإننا في حاجة إلى تصغير الاقتصاد الحالي المعتمد على العمالة الأجنبية ذات القيمة المضافة المنخفضة أولا قبل أن نفتح المزيد من المجالات والأنشطة الاقتصادية. فمجرد اختزال ثلث عدد الوظائف الدنيا التي يشغلها الأجانب في أنشطة يمكن للمواطن العمل فيها بسهولة مثل قطاع التجزئة سيساهم في توفير ما لا يقل عن نصف مليون وظيفة مباشرة. بهذا الشكل يتم تحرير الكثير من الموارد المستهلكة لمصلحة المواطن، إضافة إلى تنمية روح ريادة الأعمال التي هي محور أساس للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
المرحلة التالية لتصغير الاقتصاد الحالي تكون بإطلاق أنشطة جديدة تعتمد على استقطاب تقنية عالية، وقد خصت «رؤية السعودية 2030» الأنشطة التي يتمتع بها اقتصاد المملكة بميزات طبيعية، أهمها الخدمات اللوجستية. وكعادة أي قطاع جديد، فإنه سيكون في حاجة إلى استقطاب الخبرات، ولذلك فإن تخصيص برنامج "الجرين كارد" لدعم هذه القطاعات الحيوية الناشئة سيكون له دور محوري في تكوين روافد دخل جديدة بعيدا عن النفط. فتستمر الأنشطة والقطاعات الجديدة بزيادة حجم الاقتصاد السعودي بينما تلبي الأنشطة التقليدية الحالية غير النفطية حاجة الاقتصاد لتوفير الوظائف.

المزيد من الرأي