النفط الصخري وإعادة التوازن في الأسواق
على مدى العام الماضي، استمر إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة في الانخفاض، وتسارع معدل الانخفاض منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، نتيجة الضغوط المالية على المنتجين ووصول أسعار النفط إلى مستويات متدنية جديدة. وفي الأشهر الأربعة الماضية وحدها، انخفض إنتاج تشكيلات النفط الصخري في الولايات المتحدة بأكثر من 210 آلاف برميل في اليوم ـــ وهذا يمثل تقريبا نصف الانخفاض الكلي من ذروة آذار (مارس) 2015 عندما وصل الإنتاج إلى 5.5 مليون برميل في اليوم.
مع تداول أسعار غرب تكساس الوسيط حول 40 دولارا للبرميل، تقوم الشركات الرئيسة العاملة في تشكيلات النفط الصخري بتخفيض النفقات الرأسمالية بشكل ملحوظ مرة أخرى هذا العام، والحد من عدد منصات الحفر العاملة. تسارع الانخفاض في الإنتاج بقيادة الولايات المتحدة عزز التوقعات بأن التوازن الطبيعي لأسواق النفط يحدث تدريجيا ـــ ولو ببطء أكثر بكثير مما كان يتوقع عديد من المحللين في البداية. في الواقع، تتوقع كل من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ووكالة الطاقة الدولية انخفاضا كبيرا في إنتاج الولايات المتحدة في هذا العام، مدفوعا بصورة كبيرة بتراجع إنتاج النفط الصخري.
وعموما تتوقع وكالة الطاقة الدولية انخفاض الإنتاج من خارج "أوبك" بنحو 750 ألف برميل في اليوم في هذا العام، نحو 530 ألف برميل في اليوم قادم من انكماش الإمدادات في الولايات المتحدة. في حين تشير آخر التوقعات لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى انخفاض إنتاج الولايات الأمريكية الـ 48 المتجاورة (جزء كبير منها هو النفط الصخري) بنحو 890 ألف برميل في اليوم في عام 2016، هذا الانخفاض يقود التراجع العام في إنتاج الولايات المتحدة المقدر بنحو 760 ألف برميل في اليوم. حتى في ظل هذه الافتراضات، تتوقع الإدارة أن إعادة التوازن بين العرض والطلب العالمي لن تحدث إلا في وقت ما في عام 2017 ـــ مع استمرار تراكم المخزون في الارتفاع.
منذ قرار "أوبك" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 إبقاء الإنتاج دون تغيير، التصور المهيمن على أسواق النفط هو أن "أوبك" اتخذت قرارا استراتيجيا في الحفاظ على حصتها السوقية في محاولة لدفع النفط عالي التكلفة ـــ خاصة النفط الصخري الأمريكي ـــ خارج السوق. منذ ذلك الحين، ركز معظم المحللين على متى ستحدث إعادة التوازن الطبيعي في الأسواق، ووضعوا الكثير من الجهود على دراسة إنتاج الولايات المتحدة.
ولكن إطلاق صفة النفط عالي التكلفة على إنتاج النفط الصخري الأمريكي اتضح على نحو متزايد أنه مشكوك فيه. حيث انخفضت تكاليف النفط الصخري في الولايات المتحدة بشكل كبير خلال العام الماضي، مدعوما بالتقدم التكنولوجي وتحسين الكفاءة. على سبيل المثال، رفعت شركة هيس كفاءة الحفر في تشكيلات باكن من 23 يوما في الربع الأول من عام 2014 إلى 16 يوما بحلول الربع الرابع من عام 2015 ــــ هذا يمثل نسبة تحسين بنحو 30 في المائة.
ونتيجة لجميع هذه الجهود والتركيز على التشكيلات الأكثر إنتاجية، ارتفعت معدلات إنتاج الآبار الأولية بسرعة. وفقا لإدارة معلومات الطاقة، ارتفع متوسط معدل إنتاج الآبار الأولي في تشكيلات العصر البرمي Permian بأكثر من الضعف بين عامي 2013 و2015 إلى نحو 230 ألف برميل في اليوم للشهر الأول من الإنتاج، في حين أن الإنتاج الأولي لآبار النسر فورد قفز بنحو الثلث إلى 425 ألف برميل في اليوم.
الآثار التراكمية لهذه المكاسب الإنتاجية، وانكماش التكاليف الإجمالية، قد خفض بشكل كبير أسعار التعادل للنفط الصخري منذ بداية التراجع في أسعار النفط. في هذا الجانب، ذكرت بعض شركات النفط الصخري أن بعض تشكيلاتها تحتاج إلى سعر برنت بحدود 30 دولارا للبرميل لتحقق معدل عائد بحدود 10 في المائة بعد خصم الضرائب. عند أسعار نفط حول 40 دولارا للبرميل، من المؤكد سوف يتراجع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. لكن، هذا التراجع قد لا يكون بالدرجة التي تتوقعها إدارة معلومات الطاقة ووكالة الطاقة الدولية حاليا لعام 2016.
إضافة إلى ذلك، تأثير أسعار نفط حول 40 دولارا للبرميل في النفط الصخري في الولايات يعكس قصر فترة تطوير المشاريع من هذا النوع، إضافة إلى تكاليفها. مما لا شك فيه عند أسعار نفط بحدود 40 دولارا للبرميل سيتم أيضا تأجيل معظم المشاريع في المياه العميقة. الفرق الرئيس هو أن تأثير تأخير قرارات الاستثمار النهائية لمشاريع المياه العميقة سيشعر بها بعد فترة أطول بكثير من قرار وقف الحفر في تشكيلات النفط الصخري.
ولكن العكس صحيح أيضا، سوف تظل إمدادات النفط الصخري الأمريكية أكثر استجابة من المصادر الأخرى حتى عند ارتفاع متواضع في الأسعار ـــ بذلك ستساهم بوضع سقف لأسعار النفط من دون تدخل "أوبك" أو اضطرابات في الإمدادات في أي مكان آخر. لقد أدى انكماش أسعار النفط لفترة طويلة إلى تسريح عدد كبير من العمال والحد من قدرة قطاع الخدمات، وهذا قد يؤخر ارتفاع نشاط الحفر لمدة ستة أشهر إلى سنة استجابة لارتفاع الأسعار. لكن، المخزون المتزايد من الآبار التي تم حفرها ولكن غير مكتملة يمكن أن يكون له تأثير كبير في إنتاج الولايات المتحدة على المدى القريب. هذه الآبار قد تبدأ بالإنتاج بسرعة نسبيا، ما يؤدي إلى ارتفاع الإنتاج من جديد.
حاليا يوجد ما يقرب من أربعة آلاف إلى خمسة آلاف بئر محفورة من دون إكمال في جميع مناطق النفط الصخري في الولايات المتحدة، معظمها في تشكيلات العصر البرمي، النسر فورد وباكن، ارتفاعا من نحو ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف في أيار (مايو) 2015. وإذا افترضنا أن ثلثها فقط أكمل وبدأ بالإنتاج بمعدل إنتاج أولي 350 برميلا في اليوم، هذا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع إجمالي في الإنتاج يقدر بنحو 550 ألف برميل في اليوم. وقد تلجأ الشركات بدلا عن ذلك إلى إكمال هذه الآبار على مدى فترة أطول، ولكن في كلتا الحالتين هذا المخزون من الآبار المحفورة غير المكتملة سيعمل على التقليل من تأثير انخفاض أسعار النفط في إنتاج النفط الصخري.
وإذا أخذنا في الاعتبار تطور هيكل التكاليف وقصر دورة المشاريع، فإنه ليس من المرجح أن يكون النفط الصخري في الولايات المتحدة المحرك الرئيس لأي إعادة توازن طبيعي. وبعد إخفاق الدول المنتجة المشاركة في اجتماع الدوحة في التوصل إلى اتفاق لتجميد الإنتاج، فإن إعادة التوازن المستدام ربما لم يتحقق حتى يبدأ أيضا تأثير تأجيل وإلغاء المشاريع الأخرى في الإنتاج.