التحول المطلوب .. في كل بيت
غدا تعلن "رؤية المملكة 2030" التي تمثل الانطلاقة الرسمية لبرنامج (التحول الوطني) الطموح، الذي ستعلن تفاصيله فيما بعد.. وهو يمس جميع قطاعات الدولة بشكل غير مسبوق.. ومقابل هذا التحول الحكومي يرى البعض أهمية أن يصاحبه تحول في كل بيت حتى ينطبق عليه مسمى "التحول الوطني" .. ويتمثل التحول المطلوب في كل بيت في إعادة ترسيخ حزمة من العادات الحميدة التي فقدناها وأهمها ما يتعلق بالادخار والاستهلاك.. وأقول فقدناها لأننا قبل الطفرة وفي زمن الآباء والأجداد كنا، رغم شح الموارد في كل شيء، ندير حياتنا اليومية بالكثير من كفاءة الإنفاق ومعقولية الاستهلاك .. ومن ثم الادخار لمقابلة تكاليف الزواج أو بناء المنزل، بينما الشاب الآن مهما كان راتبه لا يفكر في ادخار للزواج أو تملك السكن .. ولذا أقول إن التحول يجب أن يبدأ من تعليم أطفالنا وشبابنا ما كان يفعله أجدادهم من غسل أيديهم بأقل كمية من الماء، وإطفاء إضاءة الغرفة عند مغادرتها، وأخذ كمية الأكل المناسبة في الطبق بحيث لا يبقى فيه شيء في النهاية، وشراء الملابس والحاجات التي يحتاج إليها فعلا، والتي يريدها دون تقليد للآخرين أو مفاخرة لا لزوم لها.. وقد يقول أحدهم إن هذه أمور بسيطة لا أثر لها لتحدث التحول، لكن ثقافة الاستهلاك تبدأ من هذه الأمور وهي من أهم ما يدرس حاليا في مناهج بعض الدول.. ونحن لم نعط لهذا الجانب أي اهتمام، ولذا أصبحنا من أكثر شعوب الأرض التي تتصف بسوء الاستهلاك في كل شيء حتى في الكلام، والشاهد على ذلك فواتير هواتفنا ونقاشاتنا العقيمة في مواقع التواصل الاجتماعي، ويقابل (مرض الاستهلاك)، الذي ندعو الله الشفاء منه.. إهمال تام لجانب الادخار.. فلا أحد يعلم طفله كما كان في الماضي القريب كيف يحضر (حصالة صغيرة) يضع فيها قطعة نقدية بقيت من مصروفه الدراسي اليومي ثم يفتحها في نهاية الشهر ليجد مبلغا يستطيع أن يشتري به ساعة أو لعبة، فهو الآن يستطيع أن يشتري ما يريد دون الحاجة إلى (حصالة) ينشغل بفتحها وإقفالها يوميا!!
حتى مؤسساتنا التي تحمل صفة الادخار في أسمائها لا تفعل جانب الادخار، وإنما تركز على جانب الإنفاق فقط، وبنك التسليف والادخار خير مثال على ذلك.
وأخيرا: إنها فرصة للتحول من مجتمع يصفه الآخرون بأنه يستهلك دون وعي أو تدقيق في البضائع الرديئة والمقلدة التي تملأ أسواقنا، إلى مجتمع حريص لا يشتري إلا الجيد من كل شيء وفي حدود ما يلزمه فقط .. لا أن تتحول بيوتنا إلى مستودعات لتخزين ما لا نحتاج إليه .. كما أن الادخار ثقافة عربية وإسلامية معروفة (فالقرش الأبيض ما زال مهما لليوم الأسود) كما تعلمنا ولكننا لم نعلم الجيل الحالي هذه الحكمة وأمثالها، وإنما علمناه فقط (أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب).