الحفاظ على موارد اقتصادنا المحدودة
تحدثت في نهاية مقالي السابق عن الموارد الطبيعية المحدودة المتوافرة للاقتصاد السعودي. فحتى يتمكن أي مجتمع من أن يحول منطقة ما إلى منطقة مأهولة تسمح بالنمو السكاني، لا بد من توافر مقومات الحياة والمعيشة في المنطقة المراد السكن فيها. وعلى مدى التاريخ، خصوصا في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية، اعتادت المجتمعات على الهجرة بعيدا عن الموطن الأصلي واستيطان مناطق جديدة بحثا عن مناطق ذات موارد فائضة توفر مقومات الحياة. ولم تكن فكرة الانفجار السكاني مطروحة أساسا. فمتى زاد عدد السكان عن طاقة الموارد المتوافرة الداعمة للمعيشة، فإن جماعة من القبيلة أو المجتمع تنحاز وتهاجر إلى مكان جديد. حتى أن الاقتصادي توماس مالتوس تنبأ في بدايات عصر الثورة الصناعية بأن النمو السكاني العالمي سيفوق إمكانية موارده الطبيعية ما سيتسبب في مجاعات وحروب تعيد التوازن بين عدد السكان إلى كمية الموارد. ولكن تنبؤ توماس جانب الصواب مع التقدم التكنولوجي الذي قدمته الثورة الصناعية، التي غيرت مفاهيم السكن والإنتاج.
الثورة الصناعية غيرت كل هذه المفاهيم كونها تمكنت من زيادة الإنتاج بشكل مطرد بكمية الموارد المحدودة نفسها. فباتت الموارد نفسها تدعم كمية أكبر من السكان. عملية تغيير المفاهيم هذه تتشابه إلى حد كبير مع ما حدث في الاقتصاد السعودي. فمنذ عصر النبي إبراهيم عليه السلام والمنطقة معروفة بقلة مواردها كونها واديا غير ذي زرع. ولذلك بقي النمو السكاني متواضعا إلى أن جاءت الطفرة النفطية. فالنفط، وبمساهمة كبيرة من الثورة الصناعية، أصبح يوفر غيره من الموارد ومقومات الحياة لقيمته الإنتاجية العالية. وبالتالي توافرت لدى الاقتصاد السعودي القدرة على مبادلة مواردها المحدودة، ولكن الهائلة من النفط بكل ما تحتاج إليه من أساسيات المعيشة، بشكل يفوق حتى احتياجاتها.
هذه الوفرة المفاجئة للموارد أثرت بشكل كبير في عادات وطبيعة المجتمع وأنماطه الاستهلاكية، وصولا إلى احتياجاته الأساسية التي باتت تتطور وتزداد يوما بعد يوم، محولة ما كان يعد رفاهية إلى حاجة أساسية يصعب الاستغناء عنها. إحدى هذه الاحتياجات هي اليد العاملة الأجنبية التي تقوم بالوظائف البسيطة. فقبل الطفرة النفطية كان عدد الأجانب للمواطنين لا يزيد على وافد واحد لكل ثمانية مواطنين. وبدأ اختلال هذا المعدل منذ ذلك الحين، بينما يصل اليوم إلى وافد لكل مواطنين. احتياجنا إلى هذا العدد الكبير من العمالة غير مبرر كونه عديم القيمة في ميزان الناتج المحلي. إنما هو انعكاس لتغير نمط المعيشة للمجتمع، وإدمان الاقتصاد على العمالة الرخيصة.
لو كان الأمر يقف عند هذا الحد لما وجدت مشكلة مؤرقة، فهذا العدد الضخم من الوافدين الفائضين عن حاجة الاقتصاد يستهلك الموارد المتاحة نفسها في الاقتصاد التي كان بالأحرى توجيهها للمواطن. هذه الموارد تشمل الكهرباء والوقود والمياه المحلاة، التي تعتمد بشكل مباشر على النفط، وتمتد حتى السكن والغذاء الذي لم يكن من الممكن بناؤه أو استيراده دون عوائد النفط. وليس أدل على زيادة عدد الأجانب عن حاجة الاقتصاد أكثر من وصول البطالة إليهم أيضا. ولذلك فإن مجرد العمل على تقليص عدد السكان سيرفع من مستوى الرفاهية لدى المواطن.