«أن نمشي على العجين وما نلخبطهوش»

- أهلا بكم في مقتطفات السبت 592
***
حافز السبت
نحن نتوه ونضيع.. أحيانا دون أن نضيع فإننا لا نجد الطريق. وكأن الضياع هو الذي يولد الحاجة للاستدلال على النهج الصحيح.
***
الرأي
الأمة العربية ليست طبعا في أفضل حالاتها. الأمة بعد أن سارت قرونا على النهج الصحيح وحكم العالم ليس بأسا وسلطة، ولكن عقلا وفكرا وطرق حياة كفلها العدل الإنساني الذي بشر به دين الإسلام، أضاعت الطريق الصحيح في نهاية الدولة العباسية، ولم نقم من سقوطنا حتى اليوم. ما زلنا في متاهة، في ضياع، وابتليت الأمة بالضعف المصاحب لتوالي الاستعمار الذي فتت عظام هيكلها. هل نتشاءم من حالة الضياع؟ ليست حالة الضياع شيئا مستحسنا أو مقبولا بل هي معاناة، والمعاناة ألم، الأمة العربية في حالة ألم يولده هذا الضياع. والذي يقلق أكثر عندما يكون الضياع خيارا ــ لأن بعض النزعات الفردية التسلطية تريد ذلك وتركز عليه ــ ولأننا كضمير أمة لا نعرف هدفا حقيقيا لنا، ومن ليس له هدف فهو لا يسجل أي ضربة للتقدم، من التية للتيه. أتفاءل عندما تكون لنا إرادة قوية مستقلة كأمة، مع وضع منهج نستطيع أن نراه ونلمسه، ثم نؤمن به وبتحقيقه.
***
الواقع
لدينا الآن فرصة لبناء عربي منهجي في فلسفة زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر. إن أي بناء قوي لهذه الأمة سيكفله تلاق صحيح بين أكبر دولتين في العالم العربي، وكل منهما تملك قدرات اقتصادية وعلمية وفكرية لبناء تصور حضاري كامل، ليس فقط بينهما بل يمتد لكامل العالم العربي. المهم في اللقاء التوجه الإدراكي لهذه المهمة، وأظنها لا تخفى على الناس العاديين مثلنا، ونظن أنها راسخة في ذهن العاهل السعودي، ونتمنى أن تكون في الجانب المصري. كيف يمكن البدء في استغلال هذا التقارب المنهجي العقلاني التبادلي؟ ليس هناك طريق واحد، ولا قالب مصبوب لا يتغير للبناء المنهجي، فهو ربما بدأ اقتصاديا، وواضح من طبيعة الزيارة حجم العمل و"النوايا" الاقتصادية العملاقة كنتيجة لهذه الزيارة، وقد تكون عن طريق الاتفاقات العلمية والفكرية والمورد البشري، وقد تكون أيضا التجمع السياسي والمصلحي في سلامة الأمة وأمنها وتطوير إمكاناتها الدفاعية في ظل خطر موجود ويكبر كل يوم. وقد تكون كل هذه الطرق مجتمعة. المهم أن يتحقق ما نتمناه بالاستدلال من الضياع الذي تهنا فيه طويلا للمنهج القويم.. ثم نضبط سيرنا عليه، كما يقول أهلنا في مصر أن "نمشي على العجين وما نلخبطهوش".
***
كتاب الأسبوع
كتاب أكثر من رائع. من تلك الكتب التي تملك القدرة الصمغية التي تلصقك به من أول صفحة لآخر صفحة، ثم تتملك الرغبة لإعادة القراءة من جديد. إنه كتاب إنساني فخم العاطفة، كسلسلة القصة الواقعية التي تنقل الفشل والمعاناة الفردية إلى نفع مجموعة إنسانية نفعا لم يكونوا ليحلمون به، ولا بطل القصة وصاحب النفع حلم به. إنه كتاب "ثلاثة كؤوس من الشاي"Three Cups of Tea. يدور الكتاب حول قول نطق به الملا "حجي علي" في قرية باكستانية منسية على سفوح الجبال الشمالية الغربية بباكستان: "من يشرب معنا أول كأس شاي فهو غريب، ومن يشرب الثاني يصبح صديقا، ومن يشرب الثالث يكون من العائلة، ومستعدون أن نفديه بأرواحنا". المؤلف المشارك في الكتاب هو "جريج مورتنسون" وهو من محترفي تسلق الجبال، ولما حاول تسلق قمة الهملايا المعروفة بـ K2 تعرض لحادث انزلاق عنيف كاد أن يودي بحياته، ولكن قاده ذلك السقوط للوصول إلى قرية منسية بين السفوح هي قرية كوربي، التي يعيش أهلها في عزلة وجهل وفقر مدقع. أُخذ السيد جريج بلطف أهل القرية، ووعد نفسه أن ينقلهم من الجهل والعلم ببناء مدرسة. تحقيق الوعد كان ملحمة بحد ذاتها، والذي تحقق أكثر من الوعد، بنى "جريج" المدرسة، ولم يكتف. في تلك السفوح المحرمة والصعبة بين باكستان وأفغانستان تمكن "جريج" من بناء 55 مدرسة في قرى مشابهة. سقوط وضياع قاد "جريج" إلى أكثر الطرق صحة وإضاءة في حياته.
***
والمهم
المهم ليس ما نحن عليه الآن.. بل ماذا نريد أن نكون عليه في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي