ليست علاقات ثنائية .. إنها للأمة العربية
تمضي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر، لتكرس أهميتها التاريخية، من خلال سلسلة من المشاريع والاتفاقات بين الرياض والقاهرة، تحاكي المستقبل البعيد، بقدر ما تدعم الحاضر القريب. ولأن الزيارة ليست من الزيارات الرسمية العادية، فإن نتائجها حتى قبل أن تُختتم بدت مسيطرة على الساحة، والآمال حولها كبيرة لدى الطرفين، خصوصا في ظل المتغيرات الراهنة على الساحة الإقليمية، وحتى الدولية. وهذه الآمال تنسحب على كل البلدان العربية، التي تنظر إلى المملكة بقيادتها كداعم لمصالح وحقوق العرب، وكجهة محورية ساعية إلى الدفاع على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية. فأمن السعودية من أمن العرب جميعا، ولا سيما الشعوب العربية التي ترزح تحت تدخلات تخريبية بقيادة إيران بنظامها الحاكم الذي يستند إلى التخريب كاستراتيجية دائمة له.
في اليوم الثاني لزيارة الملك سلمان لمصر، أعلن خادم الحرمين الشريفين عن الاتفاق لإقامة جسر يربط المملكة ومصر عبر البحر الأحمر. وهذا المشروع أُطلق الحديث عنه في الواقع قبل أكثر من عقد من الزمن، بل إن التكاليف التقديرية وقتها كانت تدور حول ثلاثة مليارات دولار، من أموال القطاع الخاص. اليوم يطلقه الملك سلمان وفق إطار خطواته المتمكنة الثابتة الواثقة، ليستفيد منه إلى جانب المصريين والسعوديين، كل شعوب بلدان المنطقة التي تشكل مصر ممرا لها إلى السعودية. إنه مشروع قومي عربي أكثر منه مشروعا سعوديا ــ مصريا، وهو يصب في الاستراتيجية العربية العامة، كما يؤكد مجددا عمق العلاقة الأخوية التاريخية بين الرياض والقاهرة، التي تستند بالدرجة الأولى إلى المعايير القومية، بين دولتين محوريتين.
صفحة أخرى تتشكل من العمل العربي المشترك، وتأتي في أشد الأوقات حرجا للمنطقة كلها، التي تعاني أيضا فوضى صنع القرار العالمي، إلى جانب عبث الجهات المخربة بمصير ما أمكن لها من بلدان العرب. في ظل هذا المشهد، كانت مناورات رعد الشمال التاريخية أيضا، التي تشكل مصر أحد أعمدتها. فهذه المناورات عمقت دور التحالف العربي الإسلامي في الوقوف بوجه أي قوة تسعى إلى الخراب والفوضى في المنطقة، كما أنها تهدف إلى رفع الظلم عن بعض شعوب المنطقة، ليس فقط من جهة التداخلات الخارجية، بل أيضا من جانب أنظمتها غير الشرعية. إن تعزيز التحالف بين السعودية ومصر، هو في الواقع تعزيز مباشر لمصالح المنطقة العربية كلها، أمام دولة مارقة كإيران، وأي دولة تستهدف المصالح العربية هذه.
الاتفاقات التي تم التوقيع عليها في الساعات الأولى لزيارة الملك سلمان، تتحدث عن نفسها، وهي جزء من سلسلة اتفاقات ومشاريع مشتركة أخرى في المستقبل. وهذه المشاريع ليست حكرا على القطاعين الحكوميين في البلدين، بل يشترك فيها القطاع الخاص عند مستويات عالية، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى مدى استدامة الاتفاقات والمشاريع التي تسهم في النمو والازدهار ولا سيما على الجانب المصري، الذي يعاني آثار التغييرات السياسية عليه، حيث يتطلب الأمر بعض الوقت لتستقر الأوضاع أكثر. إنه أمر طبيعي أن يحدث ما يحدث في مصر في أعقاب التغيير التاريخي الذي تعرضت له. وحدث ذلك في التاريخ مع كل البلدان التي مرت بتجارب مماثلة.
إن العلاقة القوية بين السعودية ومصر ليست ثنائية فقط، بل عربية صرفة أيضا. وهي ضرورة حتمية في الزمن الحرج جدا الذي تمر به المنطقة. ومثل هذه العلاقة الخاصة، تشكل التوازن المطلوب. والمملكة، التي لا تترك أشقاءها في أوقات المسرات، تلتصق بهم في الأزمنة الحرجة. إنها سياسة سعودية تاريخية تترسخ بوجود قيادة سعودية، تنظر إلى المستقبل واستحقاقاته كنظرتها للحاضر ومعطياته.