Author

الآثار المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

|
بدأت ملامح الصراع تتجلى، حيث دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لـ "إعادة التفاوض" على شروط عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، وإجراء استفتاء يوم 23 حزيران (يونيو)، يدلي فيه الناخبون بآرائهم حول ما إذا كان ينبغي على البلاد البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي. في ظل وجود معارضة كبيرة من حزب المحافظين والصحف المحلية لا تزال النتيجة غير مؤكدة، رغم دعوة كاميرون للتصويت على البقاء في الاتحاد الأوروبي. كانت المملكة المتحدة آخر المنضمين للاتحاد الأوروبي. وقد ساهمت القناة الإنجليزية، التي يبلغ عرضها 32 كيلومترا عند أضيق نقطة، في تجنيب البلاد أي غزو أو احتلال أجنبي لما يقرب من ألف سنة. ابتعدت المملكة المتحدة عن الصراعات في القارة الأوروبية وتدخلت فقط في الحالات التي حاول فيها نابليون في فرنسا والنازيون في ألمانيا الإمبريالية، بسط سيطرتهم كقوة واحدة بهدف الهيمنة على القارة الأوروبية. طمحت المملكة المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مع تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة ورابطة "الكومنولث"، إلى أن تلعب دورا كدولة مستقلة. واستطاعت في البداية البقاء خارج "الجماعة الأوروبية للفحم والصلب" التي تأسست في عام 1950، و"المؤسسة الاقتصادية الأوروبية" التي تأسست عام 1957. ولكن غيرت رأيها مع مرور الوقت لأسباب اقتصادية، ولكن اعترض الرئيس الفرنسي شارل ديجول الذي كان وقتها في السلطة، على دخولها لمرتين في ستينيات القرن الماضي. عند دخول المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف في 1973 بعد تنحي ديجول، ظلت عضوا غير فاعل. أعادت حكومة العمال الجديدة التفاوض على شروط انضمام المملكة المتحدة في 1974 ــ 1975 ودعت لاستفتاء شعبي صوت بالأغلبية لمصلحة البقاء في الاتحاد بنسبة الثلثين إلى الثلث. على الرغم من ذلك بقيت العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي متوترة، كما كان واضحا من الصراع الذي استمر أكثر من عشر سنوات على مساهمتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي (الذي تم حله في قمة تاريخية في فونتين بلو عام 1984). بعد نهاية الحرب الباردة، وفي الوقت الذي بدأت فيه بقية دول الاتحاد الأوروبي في التقارب والاندماج سياسيا، استمرت المملكة المتحدة في كونها عضوا غير ناشط. واختارت الخروج من منطقة اليورو والشنجن، وبالتالي من البنود السياسية والاجتماعية من معاهدة ماستريخت. وتم طرد الجنيه بشكل غير رسمي من نظام النقد الأوروبي في 1992، الذي كان قد دخله في 1989 ـــ الأمر الذي دفع حكومة المحافظين في ذلك الوقت إلى اعتباره نوعا من أنواع الإهانة (حتى أن وزير الخزانة الذي سبق أن أيد دخول بريطانيا نظام النقد الأوروبي في ثمانينيات القرن الماضي نايجل لوسون، أصبح فيما بعد أكبر الداعين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). تغيرت قواعد اللعبة السياسية في المملكة المتحدة في السنوات الـ 25 الماضية. حيث أصبح حزب العمال الذي اقترح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، من أكثر المؤيدين للاستمرار في الاتحاد الأوروبي. في حين أصبح المحافظون الذين كانوا من أكبر الداعمين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في سبعينيات القرن الماضي أكثر عدائية. ومع صعود حزب استقلال المملكة المتحدة المعارض للبقاء في الاتحاد، وازدياد حدة المعارضة داخل حزب المحافظين، تعهد كاميرون بضرورة إجراء استفتاء ثان على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في حال فوز حزبه بأغلبية ساحقة في الانتخابات العامة في بريطانيا في 2015، وهو ما حدث على غير المتوقع. نتائج الاستفتاء في الوقت الراهن غير مؤكدة. وتشير معظم استطلاعات الرأي إلى الانقسام في الشارع حول خروج بريطانيا أو بقائها في الاتحاد الأوروبي، ولكن لم يتخذ بعد أكثر من نصف الناخبين البريطانيين قرارهم بالكيفية التي سيصوتون بها، لذلك ستتغير النتائج خلال الحملة. فحقيقة أن كاميرون لا يزال في مرحلة مبكرة من البرلمان الجديد، وأنه إلى جانب الآخرين المؤيدين للاستمرار أكثر شعبية ومصداقية من خصومهم الداعين لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ستحسب نقطة لمصلحته. يتوقع كاميرون وحلفاؤه دعم قطاع الأعمال الذي سيركز على الآثار السلبية في الاقتصاد البريطاني وسوق العمل في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. من جانبه اعتمد معسكر المعارضين على بقاء بريطانيا في الاتحاد، على دعم معظم الصحف المحلية ذات الشعبية الكبيرة في المملكة المتحدة، وحزب الاستقلال وعديد من الناشطين في حزب المحافظين. وقد يكون لوقع مثل هذه الأحداث تأثير في الاتحاد الأوروبي، كحدوث أزمة جديدة بشأن خروج اليونان في منطقة اليورو، أو استمرار وتفاقم أزمة اللاجئين، والتي من شأنها أن تزيد من الصورة السلبية للاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة وتعزز الدعوات لخروجها منه. الآثار المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كبيرة. فاقتصاد المملكة المتحدة لن يتأثر بين عشية وضحاها. ولكن إذا ما حدث ذلك، ستقوم الحكومة البريطانية في المرحلة المقبلة بالتفاوض على شروط دخول الشركات البريطانية إلى سوق الاتحاد الأوروبي الموحدة. ومع ذلك، ونظرا لاختلال ميزان القوى الاقتصادية بين الجانبين، فإن من شبه المؤكد أن تكون الشروط هذه المرة أقل ملاءمة للشركات البريطانية مقارنة بالوضع الراهن. ويتوجب على المملكة المتحدة في الوقت ذاته، إعادة التفاوض حول شروط توسع الشركات البريطانية خارج أسواق الاتحاد الأوروبي. وستواجه الشركات على أي حال فترة طويلة من عدم الاستقرار. وقد يقوم بعضها بإعادة تقييم عملياتها فيما بين المملكة المتحدة وبقية دول الاتحاد الأوروبي. قد تكون التداعيات السياسية المترتبة على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد أكبر من التداعيات الاقتصادية. ومن المؤكد أن يصوت غالبية الاسكتلنديين على بقائها في الاتحاد الأوروبي، في حين سيصر الحزب الوطني الاسكتلندي على إجراء استفتاء جديد على استقلال اسكتلندا ـــ الذي من المتوقع أن ينتهي بحصولها على الاستقلال ما سيؤدي لتفكك المملكة. تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد قد تكون مدمرة. ففي الوقت الذي تتراجع فيه قوة أوروبا على الصعد: الاقتصادي والمالي والعسكري والدبلوماسي في العالم. سيفقد ثاني أكبر أعضائه من حيث الكثافة السكانية، وثاني أكبر اقتصاد، والقوة العسكرية الأكبر من حيث الإنفاق، كما قد يسبب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ذعرا لحلفائها في جميع أنحاء العالم، وتقوده الولايات المتحدة الداعمة لاستمرار عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. ولكن سيريح منافسي الاتحاد الأوروبي، وفي المكانة الأولى فلاديمير بوتين رئيس روسيا. يعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مظهرا من المظاهر الملموسة لحالة التفكك السائدة في الاتحاد. وستعزز النزعات المتزايدة للانفصال في الاتحاد الأوروبي وخطر إطلاق العنان لسلسلة من ردود الأفعال التي من شأنها أن تدفع الدول الأعضاء إلى اتخاذ قرار الرحيل. في نهاية المطاف وفي أسوأ الحالات، قد يؤدي إلى انهيار اليورو، وتفكك السوق الأوروبية، وإضعاف قوة أوروبا على صعيد العالم، واتخاذ العلاقات الدولية في أوروبا طابعا أقل سلمية. باختصار رهانات الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كبيرة.
إنشرها