الإيجابيات المهملة .. في المشهد الإعلامي

مجتمعنا كأي مجتمع فيه الإيجابيات وفيه عكس ذلك.. لكن المشكلة أن السلبيات الصغيرة تطغى على الإيجابيات الكبيرة والكثيرة.. وتستأثر بالاهتمام، خاصة من قبل الكتاب والمشتغلين بالإعلام، وهذا يشكل خللا في وزن الأمور والاحتفاء بها.. ولن أستمر في الحديث النظري عن هذا الموضوع الذي أحسبه من أهم ما يجب أن يعكف الدارسون على دراسته لمعرفة أسبابه.. وإنما سأطرح في هذا المقال أمثلة جاءت في مخيلتي أثناء حضوري حفل جائزة الملك فيصل العالمية يوم الأربعاء الماضي، حيث كرمت بلادنا بحضور ملكها علماء من مختلف الدول والأديان.. والمعيار الوحيد هو أنهم قدموا للبشرية ما يسهم في سعادتها.. وخير مثال على ذلك المكرم الأول الشيخ الدكتور صالح بن حميد المعروف بخطابه الإسلامي النقي الذي يحث على التسامح والتعايش والوسطية.. ويمر هذا الحدث كل عام دون أن يحتفي به إعلاميا إلا في يوم الاحتفال فقط.. بينما جوائز أخرى في العالم تقدم وفق معايير سياسية وعنصرية تجد من الضجيج الإعلامي طوال العام ما يصم الآذان.. ومثال آخر على الإيجابيات أو الأخبار المهمة التي لم تجد الاهتمام منا ومن إعلامنا إدانة محكمة أمريكية لإيران لدورها في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وتغريمها عشرة ملايين دولار وتبرئة بلادنا من هذه التهمة التي طالما حاولت بعض الدوائر الصهيونية إلصاقها بنا لمجرد أن بعض من وجهت لهم التهمة يحملون الجنسية السعودية.. وهم ليسوا إلا أدوات، بينما المدبر والمخطط والممول هي إيران التي كانت ولا تزال مقرا للقاعدة وللإرهاب بصورة عامة.. ومثال ثالث على الإيجابيات المهملة، وهذه المرة في مجال تنفيذ المشاريع التي طالما انتقدنا ارتفاع تكاليفها وتعثرها، وعقدنا المقارنات مع بعض دول الجوار لتأتي النتائج في غير مصلحتنا.. لكن من عقد المقارنة هذه المرة هو النائب الكويتي علي الراشد، الذي قارن بالصوت والصورة بين مشروع المترو في الرياض والمترو في الكويت، وخلص إلى نتيجة تقول إن التكلفة في الكويت أكثر من 20 مليار دينار مقابل ستة مليارات دينار كويتي لمترو الرياض، ومدة التنفيذ لمشروع الكويت كما قال النائب علي الراشد غير معروفة، وقد تصل إلى 20 عاما، بينما مترو الرياض مدة التخطيط والتنفيذ لجميع المراحل خمس سنوات.. مع ملاحظة أن الأطوال وعدد المحطات في مشروع الرياض أكبر من مشروع الكويت.. ألا يستحق ذلك أن نتوقف أمامه، وأن ندعو بالرحمة والمغفرة للأمير سطام بن عبدالعزيز الذي تولى الإشراف شخصيا على مناقصة مترو الرياض، وأصر على استبعاد شركات توقع أنها ستؤخر تنفيذ المشروع لكثرة ارتباطاتها.. ثم ظلت المتابعة الدقيقة من أمير الرياض الحالي الأمير فيصل بن بندر والجهاز المشرف على هذا المشروع الجبار.
وأخيرا: هناك إيجابيات كثيرة قد لا يتسع المجال لذكرها، لكن الخلاصة أننا انشغلنا بالسلبيات الصغيرة، ومنها رجل يجلد أولاده (تمثيلا)، ولذا فهم يضحكون ولا يبكون.. ثم تنهال عليه اللقاءات الصحافية والتلفزيونية ويكتب الكتاب حول هذا الموضوع الذي أصبح قضية للرأي العام، وكان من الممكن ألا يحرك الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لو كانت لدينا مقاييس صحيحة لوزن الأحداث وتغليب الإيجابيات على السلبيات.. لكن الأمل في أن نعطي الإيجابيات وأخبارها مستقبلا ما تستحق من اهتمام حتى تستقيم الأمور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي