أخلاقيات المحامي
تعتبر مهنة المحاماة في المملكة حديثة نسبيا، كون أول نظام لها صدر في عام 1422هـ، بينما نجد أن أول قانون يؤسس للمحاماة في فرنسا يعود إلى عام 1344هـ "أكثر من سبعة قرون ونصف القرن"، وفي إنجلترا إلى 1150 "أكثر من تسعة قرون"، فمن الطبيعي أن تكون مهنة المحاماة في بداياتها، ولا تزال تحتاج إلى كثير من العمل الجاد لتطويرها ورفع مستواها.
وقد صدر أخيرا تنظيم هيئة المحامين قبل أقل من عام، ولا تزال الهيئة في مرحلة التأسيس، وأرجو أن تقوم بدور جيد في تطوير المهنة، رغم أن تأسيسها في الحقيقة كان متأخرا جدا، حيث نجد في إنجلترا أن جمعية القانون المختصة بالمحامين المترافعين تأسست عام 1825، وفي مصر تأسست عام 1912.
أعود وأقول إن من أول واجبات الهيئة هو تطوير المهنة ذاتها ورفع كفاءة وموثوقية المهنة، ومن أهم ما يتعلق بهذا الأمر هو البدء في إعادة الهيكلة القانونية لمهنة المحاماة، بدءا من تعديل نظام المحاماة وإعادة صياغة أفكاره بشكل أكثر تطورا وحفظ حقوق المهنة، التي تعود بأثرها على حقوق المجتمع كون المحامين يدافعون عن حقوق المواطنين في النهاية.
كما أن من أول الواجبات، وضع مدونة أخلاقيات لمهنة المحاماة، أسوة بكل الدول المتقدمة في هذا المجال، حيث تحتوي هذا المدونات غالبا على الأخلاقيات الواجب "وأحيانا استرشادا" اتباعها من المحامين، وهي في أغلبها تحتوي على مواد ملزمة، سواء من خلال قوانين وأنظمة، وأحيانا تتبناها البرلمانات فتصبح إلزامية من تلقاء نفسها.
الأخلاقيات تتحدث غالبا عن استقلالية المحامي، هذا الاستقلال كيف يكون تجاه القضاء والجهات الحكومية، وكذلك استقلاله تجاه العميل والخصم، كما تتحدث هذه المدونات عن التزامات الأمانة والنزاهة الواجب التزامها من المحامي، وهذا الجانب من أهم الأمور، وقد كان سببا لتطوير قواعد أخلاقيات المحاماة في أمريكا عام 1983 بعد فضيحة "ووترجيت" الشهيرة، التي انخرط فيها عدد كبير من المحامين الأمريكيين.
تنظم الأخلاقيات غالبا قواعد لمنع تعارض المصالح مع العملاء، ومنع توافقها مع الخصوم أيضا، وهذا يندرج في مبادئ الحوكمة الواجب الاهتمام بها كثيرا، كونها تحفظ حقوق العملاء في الدرجة الأولى، وتدفع أيضا التهمة عن المحامين في حال كان هناك أي أخطاء أو نتائج غير متوقعة.
كما تنظم المدونات قواعد التزامات المحامي تجاه العميل في الحفاظ على مصالحه ومراعاتها وحفظ أسراره، إضافة إلى قواعد العلاقة معه، كما تضع المدونات أسسا عامة فيما يتعلق بالأتعاب التي يطلبها المحامي من العميل، وسيكون ــ بإذن الله ـــ في الأعداد المقبلة بعض المواد الخاصة بهذا الموضوع.