إلى جامعاتنا .. أوقفوا ماجستير الأعمال

تطرقت في مقال الأسبوع الماضي إلى برامج ماجستير إدارة الأعمال MBA التي تقدم في أغلبية الجامعات السعودية القديمة منها والناشئة. فلا تكاد تخلو جامعة حكومية أو خاصة من إدراج هذا النوع من البرامج ضمن خططها للدراسات العليا بل إن بعض مؤسساتنا الأكاديمية تصمم وتشغل برامج الماجستير في الوقت الذي تكون بنيتها التحتية غير مجهزة وغير مؤهلة للدرجة الجامعية الأولى "البكالوريوس". ونتيجة لهذا خرج الأمر عن سياقه وضل بعض هذه المؤسسات طريقه وأضاع البوصلة وأصبح الوضع أشبه ما يكون بتسويق الوهم للناس حتى فقد هذا البرنامج بريقه وأصبح ينظر إليه على أنه أقصر الطرق لتحقيق الذات.
إن وجود برنامج ماجستير الأعمال بهذا الشكل الذي نراه في بعض مؤسساتنا الأكاديمية ليس من مصلحة الخريج ولا من مصلحة المنظمة التي سيعمل فيها بعد تخرجه ولا من مصلحة الجهة الأكاديمية التي تمنح الدرجة العلمية ولا من مصلحة المجتمع برمته. وإذا استمرت الجامعات تقدم هذا البرنامج بهذه الآلية فسوف نرى عما قريب وقد حصل جميع أفراد مجتمعنا على ماجستير إدارة أعمال. كما أن المؤسسات الأكاديمية ستفقد مصداقيتها ولن تعود تتبوأ تلك المكانة لأن المجتمع أدرك أنها تمنح أوراقا (شهادات) خاوية دون أن يكون لحاملها ما يبرهن أو يعكس محتواها.
يجب أن يعلم الجميع أن مؤسسات التعليم العالي ليست جميعها مؤهلة لتقديم هذا النوع من البرامج لأن هناك شروطا ومقومات لا تستطيع الوفاء بها ولكن بعض جامعاتنا تتبنى برامج تفوق قدرتها استجابة لضغوط المجتمع. فنراها كيف تتسابق في تصميم برامج لإرضاء الجمهور والبيئة الخارجية على حساب جودة التعليم والسمعة الأكاديمية. فبرامج الدراسات العليا غير المدروسة التي ظهرت في بعض جامعاتنا في السنوات الأخيرة قامت نتيجة ضغوط اجتماعية وكأن من حق كل فرد أن يحصل على الماجستير أو الدكتوراه، مؤهلا أو غير مؤهل قادرا أو غير قادر غير ناسين أو متناسين ضعف البنية التحتية لتقديم هذا النوع من البرامج. والأمر لا يقتصر على الدراسات العليا فقط بل حتى برامج البكالوريوس في بعض الجامعات لم تنضج بعد. فكيف نطلب من مؤسسات أكاديمية تصميم وتشغيل برامج دراسات عليا بينما مقومات تقديم التعليم للمرحلة الجامعية يكتنفها كثير من العيوب والقصور؟
يجب أن نعلم جميعا أن كثيرا من برامج البكالوريوس في أغلبية الجامعات لم تحصل على الاعتماد الأكاديمي ولم تخضع لتقييم محلي أو دولي منذ تأسيسها كما أنها تعاني عجزا في أعضاء هيئة التدريس الأكفاء ناهيك عن أن بنيتها التحتية غير مؤهلة لتشغيل المرحلة الجامعية فكيف تتجرأ وتقدم على تنفيذ الدراسات العليا؟ كما أن برامج الدراسات العليا تحتاج إلى رقابة دورية وتقييم بين الوقت والآخر للتأكد من تنفيذ الخطة ومستلزمات البرنامج المادية ومؤهلات الأساتذة والحرص على عدم تسلل أساتذة أو جهات غير مؤهلة في تدريس المواد عندما يكون هناك نقص في الأساتذة الأكفاء. وكذلك التأكد من مؤهلات وقدرات القائمين على البرنامج من حيث الخبرة وقربهم من التخصص فقد دخل هذا العلم من ليسوا من جلدته فنجد من خلفيته إحصاء أو إدارة عامة أو لغة إنجليزية يشرف على تصميم وتشغيل بعض برامج ماجستير الأعمال.
ولا تقتصر الرقابة والتقييم عند هذا الحد بل تتعداه إلى مدخلات البرنامج من طلاب وكتب ومواقع بحثية وبرامج حاسوبية فهذه كلها تحتاج إلى رقابة صارمة خصوصا شروط القبول فلا يحق لطالب أن يقبل في برامج ماجستير إدارة الأعمال دون أن يكون مؤهلا بدرجة كافية في مرحلة البكالوريوس. كما أن هناك اختبارات عالمية يتطلبها هذا النوع من البرامج مثل اختبار القبول في برامج الأعمال الذي يطلق عليه الجيماتGMAT والذي يجب على الطالب تقديمه قبل تخرجه في الجامعة ودونه لا يحق له الاستمرار في البرنامج. وهذا النوع من الاختبارات لا يطالب به المتقدمون في أغلبية برامج ماجستير الأعمال في مؤسساتنا الأكاديمية ولا يعرفون عنه شيئا يذكر خصوصا البرامج التي تدرس باللغة العربية.
بينت في مقال الأسبوع الماضي أن تدريس برامج إدارة الأعمال باللغة العربية يعد سببا جوهريا لإخفاقه. فالمتتبع لمسيرة ماجستير الأعمال في بيئتنا الأكاديمية يلاحظ الخرق وعدم الجدية في تقديم هذا البرنامج عندما أصبح يدرس باللغة العربية فلم نكن نرى مثل هذه التجاوزات من قبل عندما كانت لغة الدراسة الإنجليزية. وكما بينت من قبل أننا لسنا ضد التدريس بلغتنا بل هو مطلب حتمي ننادي به في كل محفل كي نحافظ على ثقافتنا، ولكن إذا كان لهذا تأثير في المادة العلمية وفي جودة الخريجين وفي سمعة المؤسسات الأكاديمية فلا نقبله البتة. لذا أرى أن يقتصر تقديم هذه البرامج على اللغة الإنجليزية لوضوح الرؤية ولجودة المراجع وحداثتها ولتطبيق أساليب متقدمة لتقييم الطلاب وصقل مواهبهم مثل أسلوب الحالات، والعصف الذهني، وفرق العمل، وغيرها. فبرامج ماجستير الأعمال باللغة العربية في كثير من الجامعات شبه خالية من كل هذا كما أن التدريس في الدراسات العليا في بعض مؤسساتنا الأكاديمية لا يختلف كثيرا عنها في مرحلة البكالوريوس، عبارة عن محاضرات تلقى وطالب يتلقى ثم يقدم اختبار في نهاية الفصل بل وصل الوضع أن الطالب قد يتفاوض حول الدرجة إذا لم تكن قريبة من توقعاته.
يجب أن يؤخذ كل هذا في الاعتبار عند تقديم برامج ماجستير الأعمال حتى نعيد لمؤسساتنا الأكاديمية رونقها وسمعتها وقامتها وإذا لم تستطع جامعاتنا أن تفي بكل هذا فيجب إيقاف برامجها حتى تكتمل بنيتها التحتية لأن ما يقدم من بعض كليات الأعمال لا يمكن أن يطلق عليه تعليم عال بل مسرحيات لنيل مؤهلات دون توافر أبسط الإمكانات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي