Author

أسعار العقار ليست في طريقها للانهيار

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
عنوان المقال خلاصة رأي مهني بعد جمع معلومات كثيرة، وإلا فعلم الغيب عند الله. بدأت أسعار وصفقات العقار في انخفاض منذ النصف الثاني من عام 2014، ولكنها لم تصل إلى حد الانهيار. والكلام على المتوسط العام، بغض النظر عن التفاصيل. وبعض الأماكن لم تشهد انخفاضا له اعتبار بل هو أقرب إلى توقف الأسعار عن الصعود. هناك عوامل ساعدت على حصول ما حصل بعد الارتفاعات الحادة خلال الطفرة السابقة وفي ظل تدني القدرة الشرائية. ومن أهم هذه العوامل انخفاض أسعار النفط وظروف المالية العامة وإقرار رسوم على الأراضي البيضاء وفرض دفعة مقدمة معتبرة على التمويل المصرفي والأوضاع العالمية الاقتصادية والسياسة الجغرافية / الطبيعية (جيوبلتكس) وغيرها. يطرح هذا المقال نقاطا مؤثرة في مسار أسعار العقار على المديين القصير والمتوسط بقية هذا العام وعامين أو ثلاثة بعده، والطرح مختصر جدا لضيق المقام ويحتاج إلى تركيز في القراءة. الخلاصة توقع حصول انخفاضات في أسعار الأراضي خاصة من حيث المتوسط على المديين القصير والمتوسط، وتتفاوت مكانا بما يعكس تفاوت الطلب على الأمكنة، ولكنها ليست حادة إلى حد الانهيار. الطرح حيادي، وأقول ذلك درءا لسوء الفهم أو الظن. ويختلط الأمر على كثير من الناس في حال وجود مؤثرات اقتصادية متضاربة التأثير. يحدث باستمرار في الشأن الاقتصادي وقوع مؤثرات في وقت واحد بعضها يخفض وبعضها يرفع الأسعار. وتحديد الأثر النهائي يحتاج إلى تمحيص ومزيد تفصيل. مقابل العوامل الاقتصادية التي عملت وتعمل على خفض أسعار الأراضي، هناك عوامل اقتصادية تأثيرها عكسي حسب المسار والقوة، مثل توقع ارتفاع نسبي في أسعار النفط، ونجاح ولو نسبيا في برنامج التحول الاقتصادي (وهو المتوقع)، ودخول المستثمر الأجنبي، وتحسن نسبي في إدارة وعمليات المالية العامة، واحتياج التطوير إلى وقت، ومحدودية الدعم الإسكاني العيني مقارنة بالتطلعات. رغم كون مساحة المملكة كبيرة، إلا أن الأرض سلعة غير متجانسة، أما اليد العاملة ومواد البناء والتمويل فمتجانسة. هذا فرق جوهري. فكل موقع له خصائصه التي لا توجد ولا يمكن أن توجد في غيره. ويعني ذلك أن انخفاض الأسعار في مكان أو أماكن بعينها بنسبة من النسب لا ينسحب بالضرورة على الأماكن الأخرى. تطبيقيا، لو انخفضت أسعار أراض بعينها بنسبة كبيرة مثلا 50 في المائة، فلا يصلح التعميم لأن الأرض سلعة غير متجانسة. أي أن انخفاض أسعار أراض في مكان بعينه بنسبة كذا لا يستلزم حصول انخفاض مماثل أو حتى مقارب في أمكنة أخرى. مثال واقعي: انخفضت أسعار أراض سكنية بعد انتهاء طفرة قبل نحو 30 عاما في أحياء مثل قرطبة في الرياض (لم تكن مطورة آنذاك) من نحو 200 ريال للمتر إلى نحو 50 ريالا للمتر، ولكنها لم تنخفض أو انخفضت بنسبة بسيطة في أحياء مخدومة ومأهولة بالسكان شرق وشمال الرياض آنذاك. مثال آخر: تدهورت آنذاك الأهمية التجارية لشوارع تعد نسبيا قديمة مقابل زيادة الأهمية التجارية لشوارع أخرى حديثة نسبيا، فكان الانخفاض حادا في الأولى وبسيطا نسبيا في الثانية. الكل محب للدنيا طماع في الحصول على مزيد منها سواء كان دافعا للفلوس أو مستلما لها. ولا يمكن اتهام أحد بعينه من المتعاملين في السوق بيعا أو شراء أنه وراء ارتفاع أو انخفاض الأسعار في حال السوق التنافسية. ومن أمثلة السوق التنافسية تأجير الوحدات العقارية من شقق وغيرها وأجور مطوري ومقاولي وعمال البناء. شح الأراضي الحكومية في المدن الكبرى وظروف الميزانية والاشتراطات ووجود متقدمين لدعم سكني عددهم كبير جدا، ويزيد سنويا بما لا يقل عن 150 ألفا، والرقم في تزايد يمنع حصول أغلب الناس على دعم سكني حكومي له اعتبار وفي وقت قريب. أي أن أغلب الناس ستعتمد في المقام الأول على مواردها الذاتية لتأمين سكن، وهذا يترجم إلى طلب. من حيث المتوسط العام، انخفضت أسعار العقارات منذ أواسط 2014. ويتوقع أن تواصل رسوم أسعار الأراضي ضغطها على أسعار الأراضي، ولكنه ضغط معتدل أستبعد أن يزيد في متوسطه العام على 25 في المائة، يزيد في أماكن وينخفض في أماكن، وتكاد تنعدم في أماكن. السبب اعتدال معدل الرسوم وحداثة التجربة وتوقع ثغرات ومشكلات في التطبيق وأن لكل فعل رد فعل. يضاف إلى ذلك وجود انخفاضات سابقة، وإلى الطبيعة المؤقتة للرسوم، وإلى أن التطوير في البيع يحتاج إلى وقت طويل. والتخديم بعد التطوير يحتاج إلى وقت أطول. صحيح أن مساحة المملكة كبيرة، ولكن من المهم ألا ننسى أنه كلما ابتعدت الأرض عن المرافق والخدمات العامة من مدارس وجامعات ومستشفيات وأسواق وأماكن عمل ووسائط نقل وغيرها كلما ضعف الطلب ومن ثم زادت نسبة الانخفاض. والعكس بالعكس. ومعلوم أن الأوضاع الحالية للمالية العامة لا تتيح سرعة توفير مرافق جديدة. تتسبب رسوم الأراضي في انخفاض أسعارها بما يساوي القيمة المتوقعة الحالية لعبء الرسوم المحتملة مستقبلا -تطبق رياضيات التوقع mathematical expectation. ومتوقع مستقبلا ألا تنخفض تكلفة المتر المسطح من البناء على المدى المتوسط انخفاضا له اعتبار. وأما على المدى البعيد فمتوقع ارتفاعها النسبي بما يتفق مع توقعات تحسن الاقتصاد محليا وعالميا وأسعار النفط ومعدلات التضخم العام، إلا في حال تبني أساليب بناء مختلفة أقل تكلفة للمتر بوضوح. كون أغلب الناس تعتمد أولا على مواردها مقرونة بارتفاع تكاليف المعيشة واستبعاد انهيار أسعار العقارات يعني توقع انخفاض التطلعات في مساحة الأرض ومسطحات السكن المطلوب من أغلب الناس، تبعا لمقولة "إن طاعك الزمن وإلا طعه". النقاط السابقة دفعت وستستمر في الدفع نحو تطوير آليات وسياسات تساعد الناس على تملك سكن خلاف الآليات والسياسات التي تعودنا عليها عبر سنين.
إنشرها