الخليجيون .. والطاقات الكامنة
لقد جذب العمود هذا قراء كثيرين. وتناولته وسائل إعلام مختلفة ونقلت عنه. وأتاه كذلك من التقريع من أطياف شتى باختلاف المشارب والتوجهات والميول دينية كانت أم مذهبية أم سياسية أم غيرها.
النقد أقرأه بإمعان وأستفيد منه. المديح أمر عليه مرور الكرام للاطلاع فقط.
بيد أنني توقفت كثيرا عند كلمات الثناء التي أتتني من زميلنا الكاتب في صحيفتنا الغراء هذه، عثمان الخويطر. الكاتب غني عن التعريف. أقرأ له بنهم وأستفيد منه كثيرا.
والكلمات الطيبة التي أتتنا من زميلنا الخويطر كبيرة وعميقة وذات دلالات سعيت كثيرا إلى توصيلها إلى قرائي الكرام. والحمد لله وبعد سنوات من العمل لشق مسار خاص لعمودنا هذا، يبدو أننا على أبواب الوصول إلى الهدف المنشود. فكل الشكر لزميلنا عثمان الخويطر.
الرسالة لم تنته. نحن ما زلنا في مستهلها.
ماذا قاله زميلنا الخويطر كي يجعلني أقول: إننا بعون الله وصلنا إلى مبتغانا؟ لقد لخص الخويطر ذلك بكلمات قليلة لكنها مليئة بمعان كبيرة وأشكره عليها كثيرا.
قال الخويطر عني في يوم الأحد 3 يناير 2016 تعقيبا على مقال لي حول تأثير انهيار أسعار النفط على اقتصاد الدول المنتجة: "المواطن الخليجي الذي لم تلده أم خليجية". وعن المقال قال إنه كان "جميلا ووطنيا ... كعادته".
المتتبع لما أكتبه لا بد أن يستشف أنني لم أمتدح دولة محددة بعينها أو شخصا بعينه ولم أكل الثناء لأي حكومة خليجية. على العكس هناك نقد لاذع لكثير من الممارسات الخليجية.
حتى المقالات العامة التي أسطرها في هذا العمود، ومنها عن شؤون الحياة في الدول الاسكندنافية، التي تجذب أعدادا كبيرة من القراء وأحيانا الكثير من التعليقات، فيها لمسات نقدية لأسلوب الحياة في الخليج في شتى مناحيها.
كأكاديمي أرى أن الحياة وكل ما فيها لا نستطيع فهمها دون إشغال عقلنا وإجراء مقارنات ومقاربات بين ما لدينا وما لدى الغير.
وإشغال العقل بالنسبة للمسلم المتشبع بالحضارة العربية والإسلامية إلزامي. الحث على إشغال العقل يرد في القرآن الكريم بصيغ خطابية مختلفة. المؤمن من المسلمين عليه تشغيل عقله لفهم نفسه وواقعه ودينه وكذلك الواقع الاجتماعي حوله والكون الذي يحيطه من كل جهة.
لن أسرد أية اقتباسات من الذكر الحكيم لإسناد قولي أعلاه لأنها كثيرة وقلما تخلو سورة منها.
والنقد البناء هو جزء من إشغال العقل. والاستناد إلى العقل الذي منحنا إياه الله وهو يدعونا ويحثنا على إشغاله يمنحنا المكانة الإنسانية السامية والحقوق الإنسانية الثابتة كبشر.
وإشغال العقل ليمنحنا ميزة قلما نحاول التعمق فيها وأهميتها. هذه الميزة تمكننا من إجراء مقارنات ومقاربات. والذكر الحكيم فيه الكثير منها وأهمها تلك التي تقارن بين خالق السماوات والأرض وما كان يسجد له ويعبده العرب في الجاهلية. هذه المقارنات قربت للعرب مفهوم الدين الجديد ودخلوا فيه أفواجا.
بمعنى آخر فقه العرب من خلال المقارنات والمقاربات هذه من هم وما هم عليه وموقعهم في الخريطة الإنسانية وما سيكونون عليه لو تقبلوا الدين الجديد.
بعد النظر كان ما يميز العرب في تاريخهم عن غيرهم من الأمم رغم أن الكثير منهم اليوم لم يعد يرى أبعد من أنفه.
وعندما يؤكد هذا العمود التجربة الاسكندنافية في الرقي والتمدن والحضارة الحديثة، واحد من أهدافه هو إجراء مقاربات مع الواقع المعاش في الخليج.
لقد زرت أغلب الدول الخليجية وفي بعضها عملت مراسلا لوكالات إخبارية عالمية، وفي بعضها الآخر باحثا أكاديميا وضمن هيئات التدريس الجامعية.
يؤسفني القول: إن أغلب الناس هنا، ومنهم المقيمون من الطبقات العليا، همهم الأساسي هو الحياة الهادئة الهانئة التي يُخدمون (بضم الياء) فيها من قبل عمالة أجنبية يجري استيرادها تقريبا دون ضوابط وأسس مبنية على الدورة الاقتصادية السليمة وقواعد السياق الاجتماعي ولا سيما عند تعلق الأمر بالتربية والتعليم والثقافة ودور اللغة العربية التي هي حقا في خطر.
قد نأتي إلى هذه الشؤون في مقالات قادمة ولكن دعنا نركز على العمالة الأجنبية وأجري لكم هذه المقاربة.
في جامعتنا في السويد نحن ننظف غرفنا بأنفسنا. أنا وزوجتي ننظف الغرفة الخاصة بي (لأنها كبيرة الحجم بعض الشيء) كل شهر مرة واحدة. هناك منظفة واحدة أو منظفتان سويديتان للكلية بأجمعها التي تضم نحو3000 طالب وطالبة ونحو 250 بين عضو هيئة تدريسية وموظف. دورهما الأساسي هو جمع القمامة.
المرافق الصحية نعتني بها كثيرا جدا. ونحن نعد الشاي والقهوة بأنفسنا. والمطعم فيه فقط ثلاثة عمال وهم سويديون لأن الكل يخدم نفسه بنفسه.
لو كانت هذه الكلية في أي بلد خليجي لرأيت فوجا أو أفواجا من العمالة الأجنبية من الهيئة التدريسية إلى الخدمة في المرافق كافة.
والله أحيانا أخجل من نفسي في الخليج عند ارتيادي للمرافق الصحية ومشاهدتي شخصين أو أكثر وهم قائمون على خدمة الزبائن.
وإن سألتني عن المواطنين الخليجيين الذين درستهم والتقيتهم أقول والله لهم طاقات هائلة ولكنها كامنة. ما نحتاج إليه يا أستاذ عثمان الخويطر هو اكتشاف الطريق إلى استثمار هذه الطاقات بشكل صحيح كي يخدم المواطنون الخليجيون أنفسهم بأنفسهم.