المضي قدما إلى سنغافورة الذكية

في السنوات الأخيرة ومع ازدياد عدد سكان المدن الحضرية في العالم بشكل مطرد، الذي تسبب في إجهاد الموارد الحضرية، بدأت مبادرات المدن الذكية في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت الذي تواجه فيه سنغافورة كثيرا من التحديات نفسها التي تواجهها المناطق والمدن الأخرى مثل تنامي السكان والموارد الشحيحة وزيادة التكاليف المجتمعية، تسعى سنغافورة إلى النجاح والريادة في المنطقة من أجل التوصل إلى حلول مبتكرة لمعالجة مشكلاتها. فمنذ أن أصبحت جمهورية مستقلة منذ 50 عاما، ارتفعت سنغافورة لتصبح قوة مالية ودولة تجارية مهمة. ولكن للحفاظ على مكانتها وتحقيق الاكتفاء الذاتي للمضي قدما، يجب على الدولة أن تتخذ خطوات مهمة. وبالتالي تسعى الحكومة لأجل وضع وتمويل خطة شاملة لإنشاء الدولة الذكية.
إن سنغافورة من خلال الاستفادة من موقعها الفريد والمميزات الأخرى ستصبح مختبر المعيشة للدولة الذكية المتكاملة الأولى في العالم. ففي السنوات المقبلة، ستكون كل العيون على سنغافورة، خصوصا تلك الاقتصادات الناشئة في المنطقة وخارجها، وآسيا والمحيط الهادئ، سوف تصبح نموذجا لكيفية بناء شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في حل مجموعة من المشكلات في ظل محدودية الموارد على نحو متزايد ومنافسة أكثر من ذي قبل.
إن بناء أول دولة ذكية سيكون بكل تأكيد محفوفا بالمخاطر، حيث إن إدارة المشاريع يمكن أن تصبح مشكلة بسرعة كبيرة، وحيث إن سلسلة القيمة تضم الإدارات والمبادرات المتعددة، ما يجعلها تنمو في الحجم والتعقيد. إضافة إلى ذلك، يمكن لهيمنة الكيانات التي تسيطر عليها الحكومة والإدارة المركزية في سنغافورة أن تتباطأ في تحقيق خطة الدولة الذكية من خلال البيروقراطية والتأخير المحتمل.
وقد يكون لهذا النجاح عيوب، فالاكتفاء الذاتي قد يؤثر في علاقات سنغافورة الدولية في المستقبل، وخاصة مع ماليزيا وإندونيسيا، حيث تزود ماليزيا سنغافورة حاليا بما يقرب من 40 في المائة من الطلب على المياه يوميا، و90 في المائة من الكهرباء المولدة في سنغافورة تنتج باستخدام الغاز الطبيعي المستورد من ماليزيا وإندونيسيا. حيث يمكن أن يؤدي خفض الواردات من خلال التقنيات الذكية إلى توتر العلاقات مع البلدين، وكذلك الحد من الطلب على المنتجات والخدمات الخاصة في سنغافورة.
ومن الممكن أن تواجه الحكومة مقاومة من مواطنيها، فالمنازل الذكية، على سبيل المثال، أكثر تكلفة من تلك التقليدية. إن النتائج الأولية للمساكن الجديدة من بنك التعمير والإسكان تكلف بقدر 20-8 في المائة أكثر من البدائل الاعتيادية. وقد ينمو قلق مبرر عند المواطنين بشأن خصوصيتهم وأمن المعلومات الشخصية المتعلقة بهم كلما قامت الحكومة بجمع وتحليل مجموعات البيانات الكبيرة على نحو متزايد عن حياتهم، والعادات، والأنشطة الخاصة بهم.
ولكن إذا عملت سنغافورة جيدا على وعود خطة الدولة الذكية، فإن النتيجة ستكون دولة أكثر ملاءمة للعيش وتنافسية ومستدامة في أقل من عقدين من الزمن. فضمن خطة سنغافورة أن ترى 80 في المائة من مبانيها تحقق شهادة المباني الصديقة للبيئة الجديدة بحلول عام 2030. وتهدف إلى تحسين معدل إعادة التدوير في عام 2030 إلى 70 في المائة، مقارنة بـ 58 في المائة في عام 2011؛ وخفض استهلاك الطاقة بنسبة 35 في المائة في عام 2030 مقارنة بمستويات 2005؛ وترى الطاقة الشمسية تسهم بمقدار 350 (MWP) ميجاواط كهرباء إلى الشبكة بحلول عام 2020، وزيادة العمر الافتراضي لمدافن النفايات 40-30 عاما.
في حين أن هذه النتائج الطموحة ليست مضمونة، إلا أن ما هو واضح وأكيد أن سنغافورة جادة وقد خصصت أموالها ورغبتها الحثيثة في إنجاز الخطة، وتشجيع الابتكار، فضلا عن توفير التمويل والمساعدة، خصوصا للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة الحجم. ومع المشاريع التجريبية المختلفة الجارية، بدأت سنغافورة أيضا الدعوة لتقديم عطاءات بشأن خطط أخرى كثيرة في التنمية. وقد وجدت الشركات التي تريد أن تكون جزءا من هذا المستقبل أول محضن اختبار وطني لأعمالها الذي تستطيع من خلاله تقييم تكنولوجياتها وعملياتها الجديدة الخاصة.
مما لا شك فيه أن لدى سنغافورة الكثير لتقدمه، مثل تكنولوجيا المعلومات المتقدمة المتوافرة والمستخدمة من قبل كل من كبار السن إلى تلاميذ المدارس، وحكومة البلاد التي هي على أتم الضبط والجاهزية طبقا للعصر الرقمي، وانتشار الاتصالات على نطاق واسع. وجميع هذه العناصر تعمل لجعل سنغافورة جاذبة للشركات من جميع أنحاء العالم، بل أصبحت منطقة ساخنة للشركات الناشئة والقيادية (مثل فورتشن 500) على حد سواء.
في نهاية المطاف، ومع استدامة سنغافورة في كل شيء من المباني الذكية والمنازل إلى كفاءة السيارات وإدارة الموارد، من شأنها أن تعطي أنموذجا لكل الدول الأخرى على الطريق نحو مستقبل أكثر ملاءمة للعيش لجميع سكان العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي