ماذا يقصد بالتسويق؟ وكيف يختلف عن البيع؟
رغم العدد الهائل من تعاريف التسويق التي تزخر بها أدبيات الأعمال إلا أنه لوحظ أن هناك تباينا فيما بينها. فالبعض يعرف التسويق وفقا لخبراته وخلفيته والبعض الآخر يربط التسويق بعلوم أخرى حتى أن بعض تعاريف التسويق توحي للقارئ بأنه علم اجتماع أو علم نفس. فبعضها أخذ الطابع السلوكي، والبعض الآخر أخذ الطابع الكمي، وصنف ثالث أخذ الطابع الاجتماعي. ورغم أن هذه توجهات طبيعية لأن التسويق يأخذ أساليبه ونظرياته ونماذجه من عدة علوم خصوصا علم النفس، وعلم الاجتماع، والرياضيات إلا أنه لم تتم صياغة تعريف للتسويق يزيل عنه الغموض ويربطه بأصوله. ولكي نصل إلى هذا التعريف سنستعرض أهم تعاريف التسويق في أدبيات الأعمال ثم نضع تعريفا مناسبا يعيد التسويق إلى أصوله ويزيل اللبس الذي نراه في الأدبيات.
من أهم الجهات التي اهتمت بتعريف التسويق الجمعية الأمريكية للتسويق AMA، حيث قامت بتعريف التسويق عدة مرات. التعريف الأول كان عام 1960، والثاني عام 1985، وآخرها عام 2003 عندما عرفت التسويق بأنه عملية تنطوي على تخطيط، وتنفيذ، ومراقبة نشاطات مدروسة في مجالات تكوين، وتسعير، وترويج، وتوزيع الأفكار والسلع والخدمات من خلال عمليات تبادل من شأنها خدمة أهداف المنظمة والفرد.
أما أبو التسويق الحديث Kotler فله تعريف مشابه إلى حد ما بتعريف الجمعية الأمريكية للتسويق، حيث ذكر أن التسويق عبارة عن "التحليل، والتخطيط، والتنظيم، ومراقبة موارد الشركة وسياساتها وأنشطتها التي تمس العميل بهدف تلبية حاجات ورغبات مجموعة مختارة من العملاء بربح مناسب من خلال تكامل أنشطة التسويق". ونلاحظ أن "كوتلر" أضاف كلمة "الربح" التي يتحاشى بعض منظري التسويق التطرق لها عند الحديث عن التسويق حتى لا يساء فهم التسويق ويفهم على أنه مرادف للبيع أو أن التسويق يهدف إلى تحقيق الربح دون السعي نحو إشباع رغبات العميل.
كما أن(Cundiff and Still (1998 عرف التسويق بأنه "العلمية الإدارية التي يتم بواسطتها تحقيق قدر كبير من المواءمة بين السلع والخدمات المنتجة من ناحية وبين الأسواق والعملاء من ناحية أخرى".
ورغم أن التعاريف التي تم سردها هنا لمتخصصين في مجال التسويق إلا أنها لم تربط التسويق بإدارة الأعمال ربطا مباشرا، كما أن بها شيء من الغموض. وعندما نريد أن نقوم بربط التسويق بإدارة الأعمال فإننا نهدف إلى إبراز هوية هذا العلم المتجدد ونعيده إلى إدارة الأعمال حتى لا يضل الطريق كما حدث لكثير من مصطلحات الأعمال كالجودة الشاملة ونظم المعلومات الإدارية. ولكي نصل إلى تعريف يربط التسويق ربطا مباشرا بحقل إدارة الأعمال يتعين علينا عرض نقطتين أساسيتين هما: وظائف المشروع والعلاقة بين البيع والتسويق. ومن هاتين النقطتين نستطيع أن نصل إلى تعريف مبسط ومؤصل لمفهوم التسويق يربطه ربطا مباشرا بإدارة الأعمال.
تختلف وظائف الإدارة عن وظائف المشروع، فالمصطلح الأول يحتوى على الوظائف التي يجب أن يقوم بها المدير لممارسة عمله الإداري مهما كان موقعه في الهيكل التنظيمي طالما أنه يمارس عملا إداريا مثل التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والرقابة. ووظائف المدير لا تفيدنا كثيرا للوصول إلى هدفنا في تعريف التسويق. لذا نناقش وظائف المشروع وكيف أنها تختلف باختلاف نشاط الشركة.
يقول توفيق (1990) "يطلق على وظائف المشروع اصطلاحا وظائف المنشأة تمييزا لها عن وظائف المدير أو الوظائف الإدارية" التي يمارسها المدير. وهذه الوظائف عبارة عن أنشطة يجب على المنشأة ممارستها مثل: التمويل، والشراء، والإنتاج (العمليات)، والبيع، والمواد، والموارد البشرية... إلخ. ورغم تباين التقسيمات واختلاف المسميات إلا أن أي منشأة تكيف وظائفها حسب نشاطها، وأهدافها، ووضعها القانوني. ورغم اختلاف درجة أهمية هذه الوظائف إلا أن هناك ثلاث وظائف أساسية لا غنى عنها لأي منشأة سواء كانت إنتاجية أم خدمية وهي: الإدارة المالية، وإدارة العلميات، وإدارة التسويق.
وهناك خلط بين البيع والتسويق لدرجة أن البعض من غير المتخصصين ينظر إليهما على أنهما مفهومان مترادفان ولكنهما ليسا كذلك. فالبيع والتسويق يختلفان في أوجه عدة من البداية، فالتركيز، فالأدوات المستخدمة، فالهدف المنشود. فالبيع يبدأ بعد عملية الإنتاج ويركز على المنتجات الفعلية مستخدما بعض أساليب البيع والترويج، بينما التسويق يبدأ قبل الإنتاج أي قبل إنتاج السلعة أو الخدمة ويركز على حاجات الناس مستخدما جملة من الأدوات يطلق عليها عناصر المزيج التسويقي. ويشترك البيع والتسويق في تحقيق هدف واحد هو تحقيق الربح إلا أنهما يختلفان في الآلية. فالبيع يهدف إلى تحقيق الأرباح من خلال زيادة حجم المبيعات، بينما يهدف التسويق إلى تحقيق الأهداف من خلال رضا المستهلك. فإذا تم تحقيق أرباح ولم يراع رضا المستهلك، فالوضع هنا لا يمكن أن يطلق عليه تسويق وهو أقرب ما يكون إلى مفهوم البيع، وبهذا نرى أن التسويق أشمل وأوسع من مجرد البيع.
ونريد أن نستفيد من عرض وظائف المشروع ومن الفرق بين البيع والتسويق من أجل أن نصل إلى تعريف واضح للتسويق يعيده إلى أصوله ويبين وظيفته الحقيقية، وبهذا يمكن أن نعرف التسويق بأنه عبارة عن "وظيفة من وظائف المشروع تبدأ بدراسة السوق وتنتهي بالربح من خلال إشباع حاجات المستهلكين عن طريق استخدام عناصر المزيج التسويقي". فهذا التعريف أخذ في الحسبان وظيفة التسويق كإحدى وظائف المشروع كالعمليات والتمويل ونحوهما. كما أنه أخذ أهم محاور التسويق، حيث يبدأ من السوق ويستخدم المزيج التسويقي من أجل تحقيق الأرباح من خلال رضا المستهلك.
هذا تعريف مبسط يعيد للتسويق هويته ويربطه بأصله، وبقي لنا التفرقة بين المفهوم القديم والمفهوم الحديث للتسويق لعلنا نغطيه في مناسبة قادمة ـــ إن شاء الله.