الحماية الاجتماعية وقدرة الصمود أمام الصدمات والأزمات
مع تراجع جهود الحد من الفقر على مستوى العالم، قد تكون الحماية الاجتماعية عاملاً أساسياً في مساعدة الناس على زيادة الاعتماد على الذات. ولا تقتصر الحماية الاجتماعية على أوجه الدعم النقدي أو العيني فقط، مثل توفير دخلٍ إضافي محدود أو معاشٍ تقاعدي أو منتجات غذائية، بل تشمل أيضاً دعم الأشخاص عن طريق برامج التشغيل والشمول الاقتصادي التي تساعدهم على الحصول على فرص عملٍ أفضل، أو زيادة إنتاجية الأنشطة والأعمال التي يمارسونها..
واليوم، أصبح عدد المستفيدين من برامج الحماية الاجتماعية أكثر من أي وقت مضى. ففي السنوات العشر الماضية، شهدت برامج الحماية الاجتماعية توسعاً لتشمل رقماً قياسياً بلغ 4.7 مليارات شخص في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ويعيش 3 من كل 4 أشخاص حالياً في أسر تستفيد من برامج الحماية الاجتماعية أو تسهم فيها. وكان هذا التوسع هو الأكبر في البلدان منخفضة الدخل، حيث تضاعفت التغطية بأكثر من الضعف. وبفضل الحماية الاجتماعية، وعندما تحدث حالات الجفاف والصدمات الأخرى، يتجنب المستفيدون في منطقة الساحل حالياً انخفاضاً بنسبة 24% في إنفاقهم على الاحتياجات الضرورية مثل الغذاء. كما يقل احتمال خفضهم للإنفاق على الصحة والتعليم بنسبة 25%.
وتسهم برامج الشمول الاقتصادي في دعم الأشخاص بالأموال والأصول والتدريب وإمكانية النفاذ إلى الأسواق. وقد أدت هذه البرامج إلى زيادة بنسبة قد تصل إلى 45% في دخل الأسر أو إيرادات الأعمال. ولا بد من مزيد من العمل الجاد، فعلى الرغم من الزيادة الهائلة في برامج الحماية الاجتماعية، لا يزال التقدم المحرز في هذا المضمار بطيئاً. ويبين التقرير أن 1.6 مليار شخص في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لا يزالون محرومين من كافة أشكال الحماية الاجتماعية، وأن 400 مليون شخص آخرين لا يزالون يعانون نقصا حادا في التغطية. وبناء على معدلات العمل الحالية، سيستغرق الأمر 20 عاماً إضافية لتوفير الحماية الاجتماعية لجميع فقراء العالم.
وفي هذا التقرير، نحدد 3 طرق لتسريع التقدم على النحو المبين أدناه.
1 .التغطية الموسَّعة. ولا تقتصر هذه التغطية على تقديم الدعم المالي. فمن أجل توسيع نطاق التغطية، يجب علينا بناء البنية التحتية لتنمية برامج الحماية الاجتماعية، مثل قواعد البيانات ونظم الدفع الرقمية ونظم إدارة حالات المستفيدين المطلوبة لتحديد الأشخاص المحتاجين ودعمهم في الوقت المناسب وبطريقة فعالة.
2. زيادة مستوى كفاية الدعم المقدم. ففي عديد من البلدان منخفضة الدخل، تكون المنافع المترتبة على برامج الحماية الاجتماعية هامشية للغاية لدرجة أنها تكاد لا تؤثر في مشهد الفقر. فانخفاض هذه المنافع يدفع الفقراء إلى التركيز على البقاء، ولا يترك لهم مجالاً للتخطيط لمستقبلهم.
ويحتاج الناس أيضاً إلى دعم يتجاوز التحويلات النقدية أو القسائم العينية، مثل تحسين الخدمات الاجتماعية الموجهة للعنف المنزلي أو الصحة النفسية.
3. بناء أنظمة الحماية الاجتماعية المستجيبة للصدمات. بالاستثمار في أنظمة تقديم الخدمات المستجيبة للصدمات، وآليات التمويل، وترتيبات الحوكمة، يصبح في الإمكان توفير الدعم في الوقت المناسب، وتحقيق الاستقرار الوظيفي في أوقات الصدمات والأزمات. وتساعد هذه الاستثمارات على توسيع مظلة الحماية الاجتماعية بسرعة وكفاءة في أوقات الصدمات والأزمات.
وخلال جائحة كورونا، وصلت استجابات الحماية الاجتماعية الطارئة إلى 1.7 مليار شخص في البلدان النامية، ما يبرز أهمية الأنظمة المستجيبة للصدمات. واستجابت البلدان التي كانت تتمتع ببنية تحتية قوية لتقديم الخدمات قبل تفشي الجائحة بشكل أكثر فاعلية عن غيرها من البلدان، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى الاستثمارات الاستباقية.
وما من شكٍ في أن زيادة الموارد ستكون ضرورة لا غنى عنها، لكن الاستخدام الأفضل للموارد المتاحة في عديد من البلدان سيكون له أثره البعيد. فعلى سبيل المثال، توفر كثير من التحويلات النقدية حالياً منافعها للطبقة الوسطى أو الأغنياء، ومن شأن إعادة توجيهها لصالح الفقراء أن توفر ما يقرب من نصف التمويل اللازم لتغطية أفقر 20% من السكان بالحماية الاجتماعية.
وفي البنك الدولي، لدينا هدف يتمثل في بسط مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل 500 مليون شخص إضافي، نصفهم من النساء، بحلول عام 2030. ولكننا لن نستطيع القيام بذلك بمفردنا، حيث يجب أن نتعاون بشكل وثيق مع الحكومات وشركاء التنمية لإيجاد الموارد اللازمة وإدارتها بحكمة. وفي عالم يموج بالتغيرات السريعة، لن تقاس تكلفة التقاعس عن العمل بالمال فحسب، بل أيضاً بضياع الفرص، وعمق الفوارق والتفاوتات، وتراجع قدرة الأجيال القادمة على الصمود أمام الصدمات والأزمات.