الثبات على المبادئ لتنمية الإنسان السعودي
"الثبات على المبادئ" هذا هو العنوان الرئيس لكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ــ حفظه الله ــ في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة السادسة لمجلس الشورى. فمنذ فجر اليوم الأول لفتح الرياض عام 1916، وضع الملك المؤسس ــ رحمه الله ــ قواعد العمل في الحكومة السعودية على أن تقوم بتنمية الإنسان السعودي كهدف أول ومرتكز أساس. لقد كان الحلم كبيرا وضخما في حينها والحديث عنه كالحديث عن الأساطير، لكن المملكة اليوم تشعر بالفخر لما تم تحقيقه في هذا المجال وهي تسمع خطاب المملكة عن تنمية الإنسان من تحت قبة مجلس الشورى، الذي يضم اليوم نخبة من أبناء وبنات الوطن، وبعد انتهاء الانتخابات البلدية التي تشارك فيها المرأة لأول مرة منتخبة ومرشحة وتفوز في الانتخابات. ومن الرائع جدا أن نرى الصورة الشاملة للإنسان السعودي اليوم، والحديث عن حلم تنمية الإنسان السعودي سابقا قد أصبح حديثا عن الواجب اليوم. وبين الملك المؤسس وابنه الملك سلمان تبقى الثوابت راسخة على الرغم من التحضر الذي وصلنا إليه.
وفي حديث الثوابت الراسخة عمل المؤسس منذ اليوم التالي لفتح الرياض على ضمان اللحمة الوطنية، وعمل الجميع من أبناء الوطن معه في ذلك وتتابعت له البيعات والفتوحات والدعوات للانضمام إلى ركب الملك عبدالعزيز من جميع المناطق والقرى ومن جميع الطوائف والمذاهب، حتى اكتملت لحمة وطنية شهد بها الجميع، ومضى يحمل رايتها أبناء الملك من جيل إلى جيل، لا حياد عن هذا المبدأ ولا مساومة عليه، حتى أصبحنا نجني ثمارها اليوم من الأمن والأمان مع ما يشهد العالم من حولنا من صراعات مذهبية وطائفية ومناطقية طاحنة أكلت الأخضر واليابس ولم تبق لطائفة ولا لمذهب مكانا. وهذا المبدأ المهم الذي ترسخ على مدى الأجيال يدعمه مبدأ سارت عليه المملكة في سياستها الخارجية قائم على الالتزام بالمواثيق الدولية العادلة، والمدافعة عن القضايا العربية والإسلامية. كما شدد في كلمته على مكافحة الإرهاب مهما كان لونه وشكله، وأن المملكة لها دور كبير في محاربة الإهارب الذي لا دين له.
وأكد الملك في خطابه أن الحكومة ستواصل اهتمامها بالقطاع العام ولكن في تناغم مع القطاع الخاص، للحفاظ على مبدأ تنمية الإنسان. وفي هذا سيكون على الجميع العمل على المحافظة على مستويات النمو الاقتصادية، ولكن نحتاج في الوقت نفسه إلى القيام بالإصلاحات الضرورية للاقتصاد حتى يستجيب للتقلبات الاقتصادية الدولية، وهذه معادلة صعبة ومعقدة، وستلعب الحكومة والإنفاق الحكومي دورا بارزا في التحول، لكنه هذه المرة تحول مخطط نحو قيام القطاع الخاص بأعبائه الضرورية. وهنا تترابط الرؤى والمبادئ، فإذا كانت تنمية الإنسان واللحمة الوطنية هما الهدفان اللذان انطلق منهما ملوك الدولة السعودية منذ فتح الرياض، فإن خادم الحرمين الشريفين اليوم يريد أن يقود الركب ليقوم الإنسان السعودي بدوره في بناء وطنه وتنميته بيده، وأن يكون الوطن فوق كل العصبيات القبلية والاختلافات، فهي صورة بديعة التكوين من مجتمع بدأ رحلة التنمية على يد الملك المؤسس، وهو مكون من قبائل مختلفة ومذاهب متعددة وإنسان يعيش في فقر وتخلف حضاري، حتى صل اليوم على يد الملك سلمان إلى مجتمع مترابط متلاحم يصنع تنميته الحضارية بأيدي أبنائه، مستقلا بذاته وصاحب إرادة ومبادرة في كل مناحي الحياة الإنسانية على وجه الأرض. فالمملكة اليوم في أيدي أبنائها الذين تركوا العصبية للقبلية وللرأي، تقود تحالفا إسلاميا كان حلما بعيد المنال قبل عقود من الزمان، كما تقود الاقتصاد العالمي من خلال حضورها القوي والصلب في المنظمات الدولية مثل مجموعة العشرين ومنظمة الأوبك.
وثمن دور الحكومة في تجاوز تداعيات انخفاض أسعار النفط، بما لا يؤثر في استمرار مسيرة البناء وتنفيذ خطط التنمية ومشروعاتها، من خلال ضبط الأوضاع المالية العامة،
وفي عالم متغير متصادم مع آلة إعلامية ضخمة، فإن الحفاظ على هذه المبادئ الراسخة تحد قبلت به المملكة، حتى تحافظ على أبنائها ومستقبلهم وتحافظ على حضارة بناها الأجداد بنور من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.