تطوير المشتريات الحكومية
بدءا لا بد أن أذكر أن أكبر قضايا الفساد في المشتريات الحكومية لا علاقة لها بالاختلاس أو الحصول على الأموال بطرق غير مشروعة. فمن خبرة شخصية أزعم أن أكبر مشاكل المشتريات الحكومية هي الكسل والخمول المنتشر بين مسؤولي المشتريات وإدارة المشاريع.
عندما تصنف إحدى الجهات الحكومية قائمة من الموردين أو يقدم بعض المستثمرين عروضهم لتوفير المشتريات الحكومية، تصبح تلك القوائم مرجعية لدى الموظفين، فلا يبحثون عن سواها. بل إن "البعض" في حالة الطوارئ يتصلون بالموردين المعروفين لديهم لتقديم عروضهم، ثم يأتي المفهوم الذي يقصم ظهر نظام المنافسات والمشتريات الحكومية: "جب لنا ثلاث تسعيرات".
أعود لأجزم أن أغلب موظفي الدولة لا يحصلون على "هللة" واحدة من عمليات كهذه، لكنه كما ذكرت الكسل. هذا الكسل أدى إلى استفحال الحالة، فتحول مورد الإعاشة إلى مورد ملابس وتجهيزات ومعدات، وكل يوم يفتح سجلا جديدا باسمه أو اسم أحد تابعيه. ليس لأنه "دفيع" وإنما لأن القطاع ابتلي بحالة جمود المبادرات.
توجد هذه السلوكيات في عدد من القطاعات، وما ينميها هو أن المستثمرين الجدد لا يعلمون عن حال الوزارة أو المؤسسة وطريقة تعاملها، فيقدمون أسعارا عالية في محاولتهم الأولى تحسبا للتنفيذ المعقد أو الإجراءات البيروقراطية، وغيرها من المشكلات التي يضعها التاجر في حسبانه قبل التسعير.
التوجه نحو تحويل المشتريات الحكومية إلى عملية مركزية يسمح لكل المتنافسين بالحصول على فرص متكافئة، ويضمن الشفافية في كل إجراءات المشتريات، كما سيسمح للمزيد من المتنافسين بدخول سوق المشتريات الحكومية.
يمكن أن يحقق العمل فوائد للجهات نفسها عندما يزيد عدد المتنافسين فتحصل على أسعار أكثر ملاءمة للخدمات والمواد التي تطرحها للمنافسة.
هذا ما توفره بوابة "تبادل" التي تحدث عنها عبدالله الحيان مدير مكتب إدارة المشاريع في الشركة السعودية لتبادل المعلومات إلكترونيا «تبادل» في ورشة العمل التي نظمتها الغرفة التجارية والصناعية في الرياض. وأضاف الحيان فائدة مهمة وهي ربط البوابة بالوزارات المختصة التي يمكن أن تزود النظام بالشهادات والسجلات الخاصة بالمتنافسين.
المهم أن يُدرس الموضوع بكل دقة حتى تكون التجربة في المستوى المأمول بدل أن تضيع نتيجة رفض التغيير الذي سيمارسه كثير ممن سيفقدون دوراً كانوا يسيطرون فيه على مشتريات ومنافسات القطاع.