مصانعنا .. والقيمة المضافة

من الأمور التي تلفت النظر في مجتمعنا وفي مؤسساتنا الاقتصادية عدم الاهتمام بما يسمى "القيمة المضافة"، ويقصد بها الدعم الحقيقي للاقتصاد المحلي. فمن المفترض أن يكون الهدف عند إنشاء المصانع واستثمار الأموال وتوظيف المواطن تقديم سبل استفادة الاقتصاد الوطني على مجرد شغل الوظائف والحصول على مكاسب شخصية لصاحب رأس المال. بيئتنا الاستثمارية جذابة إذا أخذنا في الاعتبار التدني الكبير لأسعار الوقود والطاقة الكهربائية والماء وبعض المواد الغذائية وسهولة الاستقدام للعمالة الرخيصة، إلى جانب توافر البنية التحتية الأساسية. ومن جانب آخر، الغياب التام لجبي أي نوع من الضرائب، سواء على رأس المال أو على العمالة الأجنبية الرخيصة التي تحرم المواطن من فرص العمل. وفي حالة تصريف المنتجات، محليّا أو خارجيّا، يُخشى من أن نسبة كبيرة من أرباح المستثمر تعود إلى التخفيضات والإعانات الحكومية التي جاء ذكرها آنفا، ومعظمها من دخل خزانة الدولة لمساعدة المواطن، فيكون هامش القيمة المضافة للاقتصاد المحلي إما متدنيا جدّا أو سالبا. ولا يجب أن نغفل أنه في حالة استخدام عمالة غير وطنية، وهذا هو السائد حاليّا، فهناك الأثر السلبي في اقتصادنا من جراء تحويل مكتسبات العمالة الأجنبية.
وتقدر الجهات المسؤولة عدد المصانع الموجودة في المملكة بما يزيد على عشرة آلاف، دون الدخول في تصنيفها وأهمية منتجاتها، وباستثمار يزيد على تريليون ريال. ويعمل في تلك المصانع أكثر من مليون عامل وموظف، نسبة كبيرة منهم من جنسيات أجنبية. ومن شبه المؤكد أن نسبة العمالة الوطنية التي تعمل مباشرة في تلك المرافق وتؤدي واجبات حرفية ومهنية تكاد لا تذكر، إذا استثنينا منها وظائف الحراسة والتخليص وشؤون العلاقات العامة. وهذا ليس ذنب الشباب، بل غياب القوانين الملزمة وما يتطلب ذلك من التدريب والتأهيل وتنظيم ساعات العمل ومراعاة مستوى المكافآت الذي يتناسب مع مستوى المعيشة في هذه البلاد. وكذلك ضمان حقوق صاحب العمل مقابل التعليم الإضافي إن وجد والتدريب والتأهيل. ويقترح البعض إضافة ضريبة على الصادرات مقابل ما تقدمه الدولة من معونات مادية، الغرض منها تخفيف عبء الحياة على المواطن، واستخدام موظفيه الأجانب مرافق البنية التحتية ليكون ذلك من ضمن الإجراءات التي تشجع على توظيف المواطن. وبطبيعة الحال، فسوف يكون هناك رد فعل سلبي من رجال الأعمال على مثل هذه الاقتراحات التي الهدف منها حماية حقوق المواطن. وسينتج عن ذلك انخفاض كبير في الأرباح وربما عدم القدرة على منافسة المنتِجين من خارج المملكة. والحل الأمثل لمثل هكذا وضع يتطلب مضاعفة الجهد لرفع كفاءة العمل والعاملين ورفع جودة المنتوج، والاكتفاء بالربح البسيط من أجل الصالح العام.
ومن الواضح أن القيمة المضافة من معظم تلك المصانع التي بلغ عددها الآلاف متدنية جدّا إلى درجة لا تتناسب مع حجمها. وهذا لا يخدم قضيتنا الرئيسة وأهداف مخططاتنا الاقتصادية التي ترمي إلى تنويع الدخل من أجل مستقبل أفضل. فلا يزال دخل البترول يمثل بطريقة مباشرة أكثر من 90 في المائة من ميزانية الدولة. ولا نستبعد أن يكون للبترول نصيب غير مباشر من الـ 10 في المائة الباقية. فإذا تأكد هذا، فأين القيمة المضافة من العشرة آلاف مصنع؟ وهو ما يستدعي استحداث رؤية جديدة يكون التركيز من خلالها على إشراك المواطن في التنمية مهما كلف ذلك مبدئيّا من مال ومجهود. ولعلنا نبدأ من الآن، وبكل جدٍّ و إصرار، بحصر التوظيف في المصانع الجديدة على المواطنين، مع ضمان تدريبهم وتأهيلهم حسب تخصصاتهم ومتطلبات العمل. وعلى المستثمر أن يشمل ذلك ضمن دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع. ونحن نعلم صعوبة المبدأ والتطبيق لمثل هذه التوجيهات، ولكنها بداية لا بدَّ من تنفيذها ومتابعتها حتى تصبح في المستقبل أمرا عاديّا ومقبولا. وستظهر الفوائد الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة لمثل هذه الإنجازات عندما يراعي المواطن، العامل وصاحب العمل، المصالح العامة التي تعود بالخير على الجميع. ما فائدتنا من عشرة آلاف مصنع إذا كان وجود أي منها يتسبب في استقدام عمالة أجنبية؟ فلا بدّ من إعادة النظر في أهداف إقامة المصانع حسب طلب المستثمر الذي من حقه ضمان الربح المعقول، ولكن عليه أيضا قبول المستلزمات التي تتطلبها التنمية الاقتصادية. ونتمنى ألا تكون قمة طموحنا إصدار أكبر عدد ممكن من تراخيص الاستثمار الصناعي قبل أن نضمن أن له مردودا صافيا لاقتصاد البلاد، وإلا فلا حاجة لنا إليه، سواء كان المستثمر مواطنا أو أجنبيا. وأول ضمان لإيجابية الاستثمار هو إشراك المواطن وتفضيله على العامل الأجنبي إلى أقصى حد ممكن. فالذي يكسبه المواطن، مهما بلغ، يعود إلى الاقتصاد المحلي. أما ما يوفره العامل الوافد ففي أغلب الأحوال ينقله إلى اقتصاد بلاده، ما يسبب إنهاكا لاقتصادنا، وهو أمر لا تشعر به الجهة المستثمرة وقد لا يكون أكبر همها. نحن نسمع كثيرا عن الناتج المحلي غير البترولي، ولكننا نشك في أن له تأثيرا إيجابيا في حياتنا، خصوصا أن الدخل البترولي هو المهيمن على الاقتصاد، ووجود المواطن داخل ساحات العمل يكاد يكون معدوما.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال: هل فعلا لدينا الرغبة والمقدرة على تغيير الوضع الحالي من رصف للمصانع التي تستهلك الوقود الرخيص، والكهرباء ذات القيمة المتدنية، والماء الذي يشبه البلاش، وتستقدم ما شاءت من العمالة التي يصبح وجودها عالة على خيرات المجتمع؟ قد يكون ذلك، ولكن التغيير يحتاج إلى تخطيط وإلى إبداع وإصرار ومتابعة وتعاون من الجهات الرسمية المعنية. فلو كان هذا العدد الكبير من المصانع والاستثمار الهائل ومليون عامل في غير بلادنا لكان الدخل الصافي منه يغذي أكثر من نصف الميزانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي