الإرهاب ملة واحدة مهما تغير لونه

منذ فترة ليست بالقصيرة وأمتنا تتعرض لهجمات داخلية وخارجية، هجمات توشك أن تعصف بها خارج التاريخ، وحركته.
من يراقب الوضع يصل إلى قناعة أن الأمة تفقد إرادة الفعل الذي يحفظ لها حقوقها، ومبادئها، وهويتها، و قرارها المستقل. في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر شنت أمريكا حربا على أفغانستان أسقطت فيها حكومة طالبان، و قتلت الآلاف ممن لا ناقة لهم ولا جمل، ودمرت بيوتا على ساكنيها، وهجَّرت الآمنين من مدنهم، وقراهم. و في عام 2003 غزت أمريكا وبريطانيا العراق وأسقطت نظامه، وقتلت الملايين، وشردت مثلهم، وأصيب الكثير بأمراض مستعصية نتيجة استخدام أسلحة فتاكة. وتحول العراق إلى بلد فاشل ممزق اجتماعيا، السمة المميزة له التقاتل بين مكوناته الاجتماعية التي غزاها فيروس الطائفية، بدعم من أمريكا، ودستور بريمر، وتنشيط من إيران التي وجدت في الطائفية وسيلة لبسط هيمنتها على المنطقة. الكيان الصهيوني، منذ وجد وهو يمارس الإرهاب، بكل أشكاله، ضد البشر، والحجر، والشجر، والبيئة، لكن لا أحد يجرؤ على تسمية أفعاله بالإرهابية.
مع هبوب رياح الربيع العربي انفتحت ساحة بعض الأوطان على جماعات، وأفراد، ودول، منها ما يدافع عن أهداف نبيلة، كما تفعل فصائل الثورة السورية، لكن وجدت جماعات من خارج سورية الفرصة مواتية لها، مثل ميليشيا ما يسمى حزب الله، و"داعش"، والميليشيات العراقية التي تحركت بدوافع طائفية نصرة لنظام بشار، الذي مارس الإرهاب، بكل ألوانه، وما البراميل المتفجرة التي ترمى بصورة بربرية على رؤوس المدنيين العزل إلا واحدة من ممارسات الإرهاب الشنيعة.
مارست هذه الجماعات أفعالا إرهابية لكن الغريب أن العالم لا يرى إلا بعين واحدة، فالحرس الثوري الإيراني، وميليشيات العراق، وما يسمى حزب الله لا تسمى ممارساتها بالإرهابية، بل لم تصنف أصلا بالجماعات الإرهابية، في حين جماعات المعارضة السورية توصف بالإرهاب. روسيا التي وقفت مع النظام ضد الثورة منذ انطلاقتها أعلنتها صريحة بالممارسات، لا الأقوال، إذ تقصف بالصواريخ والقنابل العنقودية والفسفورية المدنيين، ومع ذلك لا تجد من يصنف أعمالها بالإرهابية.
الساحات شهدت ممارسات إرهابية فردية، كما حدث في الدمام، والقديح، والكويت، وأبها، ونجران، وسوسة في تونس، كما أن أمريكا شهدت الكثير من أعمال الإرهاب، كما حدث في الكنيسة، حيث اعتدى رجل أبيض على مجموعة من السود و قتل من قتل، وهم يمارسون عبادتهم، كذلك ما حدث في جامعة شمال كارولاينا، والذي راح ضحيته ثلاثة من الطلاب العرب. يضاف إلى ذلك ما حدث في إحدى جامعات ولاية أوريجون الذي راح ضحيته الكثير من الأبرياء.
أينما وقعت هذه الأحداث سواء على ساحتنا أو على ساحات خارج ساحتنا واجهها الإعلام العربي والمثقفون والحكومات بالإدانة وسلطوا الأضواء على الأفعال التي صدرت من أفراد محسوبين على أمتهم، وأدينت هذه الأفعال شعبيا ورسميا، ووصفت بالإرهاب، وآخرها ما حدث في باريس. الغريب في الأمر أن إعلام الغرب، وساسته، ومثقفيه، إلا ما ندر، لا يعتبرون الممارسات التي تصدر من أبنائه، ومن جماعات محسوبة عليه، أو ما تقوم به حكوماته من ممارسات إرهابية، و يسعى بكل جهوده لإلباسها كذبا وزورا لباس التحضر، والدفاع عن القيم الإنسانية، أو وصف من يقوم بها من الأفراد بالمضطربين، وإبعاد صفة الإرهاب عنهم، رغم أن ممارسات دولة قتلت الملايين، ويتَّمت، ورمَّلت، ودمرت البيوت، وموارد الرزق.
تساءلت وكلي حيرة على أي أساس يعتبر الفعل إرهابا، هل طبيعة الفعل ودوافعه ونتائجه تحدد ذلك، أم على أساس الفاعل في عرقه، ومعتقده، وما يمتلكه من قوة عسكرية، ونفوذ سياسي على الصعيد العالمي من خلال الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، اللذين أصبحا تحت سيطرة قوى الغطرسة، بما تملكه من حق استخدام الفيتو. الحقيقة تقول إن العمل إرهابي متى ما كان فاعله عربيا ومسلما، سواء نفذ العمل فرد، أم جماعة، أم دولة. وفي الوقت ذاته، يصنف العمل بالإنساني، ذي الأهداف الشريفة، حتى ولو كان ضحاياه بالملايين متى ما كان فاعله غير عربي، وغير مسلم.
الفعل الذي نتيجته قتل الناس الآمنين غير المحاربين خارج حكم القضاء، سواء تم بفعل فرد، أو جماعة، أو دولة يبقى إرهابا مهما كان البلد، أو الفرد، أو الجماعة، والفرق يكمن في أن الإرهابي إما فرد، أو جماعة، أو حكومة، إضافة إلى أن إرهاب الحكومات أكبر كارثية نظرا لأن القتلى أكثر والتدمير أشنع والسلاح المستخدم أقوى فتكا وتدميرا، مع غطاء سياسي ومكر ودهاء وألاعيب إعلامية تظهر المجرم حملا وديعا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي