الغرب يخشى نيران الشرق الأوسط
فجأة بدأنا نلحظ نبرة إنسانية في الخطاب الغربي حول الحروب المستعرة في الشرق الأوسط. الإعلام ــــ المرآة التي تعكس المواقف السياسية وغيرها ــــ ينقل وبغزارة كيف أن المسؤولين الغربيين تدمع عيونهم لمأساة اللاجئين السوريين مثلا.
بدأنا نلحظ حركة دءوبة للدبلوماسية الغربية لإطفاء النيران الملتهبة في أكثر من بلد في الشرق الأوسط. وإن كان المرء غير مدرك لسياق الأمور لتصور أن هذه الدول ولا سيما أصحاب الشأن فيها همهم الإحسان والرفق بالبشر ومحاربة الشر وتحقيق العدالة.
الغرب بدأ يأخذ الحروب العبثية التي أخذت تأكل الأخضر واليابس في هذه المنطقة بجدية لأن نيرانها وصلت إلى أهدابه.
أمواج اللاجئين جعلت الغرب يفكر مليا إن كان استمرار هذه الحروب يقع ضمن مصلحته الاستراتيجية.
تواجد اللاجئين من الدول العربية والإسلامية وبكثافة فرض على الغرب معادلات لم يكن بوده تطبيقها. هذه المعادلات خطيرة النتائج على المجتمعات الغربية وقد تطيح بكل إنجازاتها التي نقلتها من بلدان وشعوب متخلفة همجية إلى مصاف الدول والشعوب الراقية.
كان الغرب يعتقد أن العرب والمسلمين أسدوه خدمة لا تثمن برفعهم السلاح ضد بعضهم بعضا. كان الشعار حتى الآن: "دعهم يقاتلون ويقتلون بعضهم بعضا حتى الفناء".
ما دام القاتل والقتيل عربيين ومسلمين، فلا ضير إن استمر القتال عقودا. كثرة الاقتتال معناه زيادة الطلب على الأسلحة والمعدات الحربية. وشركات السلاح تشكل واحدة من أكثر مجموعات الضغط في أمريكا مثلا وتأثيرها يفوق اللوبي الإسرائيلي أو غيره. فقط السذج من الناس يتصورون أن الغرب يكترث للضحايا الأبرياء من العرب والمسلمين. هذا آخر بند في قائمة أولياته. يجعل من الضحايا والأبرياء قصة فقط لأغراضه الخاصة.
طبق الغرب حصارا ظالما وبشعا على العراق استمر أكثر من عقد وكل ضحاياه، وهم لا يقدر عددهم، كانوا من الأبرياء ولم يرف لأصحاب الشأن فيه جفن.
غزا الغرب العراق بشكل جنوني في عام 2003 وضحايا الغزو والاحتلال بالملايين، وإفرازاته المرعبة ما زالت قائمة ولم يرف له جفن.
فما هي يا ترى هذه الهبة الدبلوماسية المكثفة لوضع حد للحرب في سورية التي قد تفوق في بعض تفاصيل مأساتها ما وقع في الحرب العالمية الثانية؟
سنخدع أنفسنا إن قلنا إن الغرب انطلاقا من مشاعره الإنسانية هرع لمساعدة السوريين المغلوبين على أمرهم. الغرب شعر أن إفرازات الحرب في سورية ومناطق أخرى قد تصل إلى معاقله وربما تهدم كل إنجازاته وتقلب استراتيجيته على عقب.
الغرب يريد إيقاف موجات المهاجرين بأي ثمن قبل فوات الأوان. إن بلعهم البحر أو احترقوا في الحرب أو ماتوا جوعا أو أكلتهم الذئاب هذا لا يهم. المهم أن تكون حركتهم داخل المنطقة.
وإن احترقوا هم وأطفالهم ونساؤهم وشيوخهم بالبارود الذي تصدره الشركات الغربية إلى هذه الدول فهذا لا شأن له به.
وهكذا صارت الدول التي قرأت على رؤوسنا مزامير الإنسانية والمحبة وإيواء الآخر في بداية أزمة المهاجرين من ألد أعدائهم.
حتى السويد التي كان يضرب المثل بإنسانيتها قرعت جرس الإنذار على لسان وزيرة خارجيتها التي أكدت أن الوضع لا يطاق.
لماذا هذا التحول الفجائي؟
أزمة اللاجئين من المسلمين استغلتها الأحزاب والمجموعات اليمينية المتطرفة وبعضها له توجهات سلفية أصولية لتقوية مركزها داخل المجتمع.
وإن أخذنا استبيانات الرأي العام في عين الاعتبار، تعد الأشهر الثلاثة الماضية فترة ذهبية في صعود نجم هذه التنظيمات.
هناك خشية أنها ستدخل الحكم من أوسع أبوابه في أية انتخابات قادمة وأزمة اللاجئين قائمة وتدفقهم مستمر.
وإن وصلت هذه الأحزاب إلى الحكم ـــ أو صار لها أتباع كثر وهم كثر في واقع الأمر ـــ فإن هذا قد يعيد أوروبا إلى الفترات المظلمة من تاريخها الحديث عندما خطفتها النازية والفاشية والبلشفية وهي حركات ونظم ربما لم تر البشرية أشر منها.
هل نصدق هذه الأقوال والمواقف؟ العلم عند الله، ولكن الغرب اكتوى بنيران هذه الحركات وخاض حربين عالميتين مدمرتين للقضاء عليها.
شيء واحد أجد من الصعوبة تصديقه وهو وضع اللوم على اللاجئين من العرب والمسلمين لاشتداد عود الحركات العنصرية والشوفينية في الغرب.
كما أن بعض الفرق الشريرة في الشرق الأوسط ما هي إلا نتاج بيئته، كذلك هذه الحركات ما هي إلا نتاج البيئة الغربية.
ولكن إن كانت دافعا أو حجة لإطفاء النيران في الشرق الأوسط فلا بأس.