قياس الأداء .. يبدأ من التعيين

بدأت محاولات تطوير أداء الأجهزة الحكومية في وقت مبكر، وكانت على شكل برامج ودراسات واستشارات، انطلقت كبقية المبادرات آنذاك من وزارة المالية والاقتصاد الوطني، حيث تم تأسيس "الإدارة المركزية للتنظيم والإدارة" برئاسة تركي الخالد السديري، الذي أدارها بروح الفريق وبأسلوب حديث وقد استقطبت تلك الإدارة مجموعة من السعوديين المؤهلين الذين تلقوا تعليما مميزا في الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة.. كما تمت الاستعانة بخبراء أجانب في مجالات التطوير الإداري والتدريب، وجاءت فكرة إنشاء معهد الإدارة العامة في السياق نفسه.. وكان يمكن أن يكون للمعهد دور أفضل لو كانت البيئة الوظيفية الحاضنة أفضل في ذلك الوقت.. لكن عدم إيمان المديرين ومن في حكمهم بالتدريب والتطوير جعلهم لا يقبلون على برامج المعهد ويرسلون للتدريب من يريدون التخلص منه ولو لفترة محدودة، وعند عودته متدربا يقفون حائلا دون تطبيقه النظريات الإدارية الحديثة التي تعلمها.. ولم تكن هناك جهة قوية تجبرهم على قبول التطوير أو ترك المجال لغيرهم للقيام بهذه المهمة.
وبعد هذه المقدمة التاريخية أقول إن إيجاد المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة يعتبر خطوة نوعية مهمة، خاصة وقد ارتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة، كما أن تشكيل مجلس إدارته برئاسة رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يدل على أنه سيكون جهازا مختلفا عن التجارب السابقة التي لم تتوافر لها الجدية والدعم اللذان يجعلانها قادرة على قياس الأداء في الجهاز الحكومي المتهم دائما بضعف الأداء وعدم وجود المحاسبة، على الرغم من تعدد جهات وأجهزة الرقابة.. ومن هنا أشير إلى ناحية مهمة وهي ألا يرتدي المركز الجديد قبعة المراقب حتى لا يتخذ الموظفون موقع الدفاع ضد إجراءاته كما حدث مع الأجهزة الرقابية الأخرى، إنما يركز على حسن اختيار الموظفين، حيث يبدأ من تعيين الموظف وفق توصيف دقيق لمهامه ومسؤولياته وكذلك وضع أهداف قابلة للتنفيذ بالنسبة إلى الموظف وإلى المؤسسة بصورة عامة، ليتم القياس في ضوء المتحقق منها بنهاية كل عام.. ومن الجوانب المهمة في قرار إنشاء المركز أنه يشمل قياس الأداء في الأجهزة العامة، بمعنى أنه يشمل المؤسسات والهيئات العامة، حتى الشركات التي تملك الدولة حصة كبيرة في رأسمالها.. ولقد ظلت تلك المؤسسات والشركات محمية من النقد بحصانة وهمية، ما جعل أداءها رغم توافر الإمكانيات لها أقل من المستوى المطلوب، ويكفي مثالا على ذلك "الخطوط السعودية".
وأخيرا: لعل أول خطوة لضمان نجاح المركز الوطني هي حسن اختيار موظفيه.. ثم الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة حول الوسائل الحديثة لقياس الأداء، والأهم من ذلك أساليب تحفيز الموظفين للأداء المميز عن طريق تكريم هذه النوعية من الموظفين، لكي يسلط الضوء على غير المميزين، حيث ينسحب هؤلاء من المشهد بهدوء.. ومن لم يفعل فلا بد من أن يُطلب منه ذلك، لتكون الأجهزة الحكومية خاصة ذات العلاقة بخدمة المواطن مثالا لخدمة العملاء وفق أحدث أساليب الخدمة المميزة، المصحوبة بابتسامة غابت طويلا عن وجوه بعض الموظفين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي