شركات عالمية تراهن على التحول إلى السيارات الكهربائية

شركات عالمية تراهن على التحول إلى السيارات الكهربائية
شركات عالمية تراهن على التحول إلى السيارات الكهربائية

"بي إم دبليو"، "مرسيدس"، "تويوتا"، "فولكسفاجن"، "هوندا"، "فيات"، "شيفروليه"، و"فورد"... سمّ ما شئت من شركات سيارات عالمية كبرى، وستجد أنها تنتج الآن نوعا أو أكثر من السيارات الكهربائية.
الأمر باختصار أن السيارة الكهربائية باتت واقعا ملموسا في مجال صناعة السيارات، ربما لم تصل بعد إلى حد المنافسة التامة مع السيارات التقليدية التي تستخدم البنزين أو الديزل، لكن الطلب عليها آخذ في تزايد، خاصة مع ما تحظى به من دعم حكومي في البلدان المتقدمة، إضافة إلى تشجيع كبير من كافة المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بحماية البيئة.
وتكثف شركات صناعة السيارات جهودها البحثية في الوقت الراهن لتطوير السيارات الكهربائية بأسعار مقبولة لتكون في متناول قطاع كبير من الطبقة المتوسطة.
وتشير البيانات المتاحة إلى أن مبيعات السيارات الكهربائية مثلت نصف في المائة فقط من إجمالي مبيعات السيارات في العالم في عام 2014 الذي بلغ 85 مليون سيارة.
أحد المصاعب التي تواجه صناعة السيارات الكهربائية، هو أن تحقيق انتشار هذا النوع من السيارات يتطلب بناء محطات طاقة إضافية، ونظرا لأن بناء محطات طاقة يدخل ضمن المشاريع الرأسمالية عالية التكلفة.
وفي ضوء حالة الركود الاقتصادي في أوروبا واليابان وتراجع معدلات النمو الصينية فيما لا يزال تحسن الاقتصاد الأمريكي طفيفا، فإن نقاشات مكثفة بين الشركات المنتجة للسيارات، وحكومات البلدان المختلفة تتواصل في مسعى إلى حل يضمن بناء محطات طاقة، وبما يسهم في إنعاش صناعة السيارات الكهربائية.

#2#

وتشير دراسة لاتحاد منتجي السيارات البريطانية إلى أن صناعة السيارات في العالم تقف على أعتاب تحول كبير من السيارات التقليدية إلى السيارات التي تعمل بالكهرباء أو السيارات الهجينة "بالوقود والكهرباء".
وتتوقع الدراسة أن يتزايد الطلب على السيارات الكهربائية خلال السنوات الخمس المقبلة بنحو 32 في المائة في أسواق الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى أكثر من 50 في المائة من الأسواق الأوروبية.
ومع تفاوت النسبة من دولة إلى أخرى ستصبح النرويج وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا إضافة إلى الدول الاسكندنافية في مقدمة البلدان الأوروبية في هذا المجال.
أما في آسيا فإن الصورة وإن كانت تصب في مصلحة سيارات البترول والديزل، فإن النسبة التي ستستقطعها سيارات الكهرباء من الأسواق ستراوح بين 23 و27 في المائة، وسط توقعات بأن تحتل اليابان مقدمة البلدان الآسيوية في هذا المجال.
ويعتبر المهندس دونالد ريدل نائب المدير التنفيذي في اتحاد منتجي السيارات البريطانية أن تكلفة الشراء ستمثل العامل الرئيسي في مدى انتشار السيارات الكهربائية مستقبلا، لكنه لن يكون العامل الوحيد من وجهة نظره، وسط توقعات بأن يشهد عام 2017 قفزة نوعية نظرا لتنامي قدرة تلك النوعية من السيارات على منافسة مثيلتها التي تعمل بالبنزين سعريا.
ويقول ريدل لـ "الاقتصادية"، "إن الدعم والتشجيع الحكومي للسيارات الكهربائية يبدو واضحا في عدد من البلدان التي تواجه تحديات في مجال الطاقة، والولايات المتحدة الأمريكية، تعد أحد أبرز الداعمين للسيارات الكهربائية تحديدا لهذا السبب، فهي تنفق نحو 300 مليار دولار لاستيراد النفط، وهذا المبلغ يمثل ثلثي العجز في الميزان التجاري".
وأوضح ريدل أن إدارة الطاقة الأمريكية أشارت في إحدى دراساتها إلى أن استخدام السيارات الكهربائية يوفر نحو ألف دولار سنويا في المتوسط في مجال استهلاك الوقود، أضف إلى ذلك أن شركات التأمين تنحاز الآن إلى السيارات الكهربائية مقارنة بغيرها من السيارات، إذ إن التأمين على السيارة من هذا النوع أرخص.
وأشار ريدل إلى أن التحول إلى السيارات الكهربائية يرفع من على كاهل الشركات والحكومات الضغوط السياسية التي تمارسها عليها المنظمات المعنية بالبيئة لأن درجة التلوث الناجمة عنها تقارب الصفر.
وحول مدى تأثير الفضيحة التي تورطت فيها شركة فولكسفاجن أخيرا بشأن التلاعب والتحايل في معدلات انبعاث الغازات من سيارات الديزل على مستقبل السيارات الكهربائية، أوضح لـ "الاقتصادية"، والتر نايت الاستشاري في شركة جاكور البريطانية أن الأمر المؤكد الآن هو أن مبيعات سيارات الديزل ستشهد تراجعا في الأسواق الأمريكية والأوروبية، وجزء من المستهلكين سيتوجه إلى شراء السيارات الكهربائية أو الهجين.
ويطرح نايت تساؤلاً حول مدى تأثير فضيحة "فولكسفاجن" أو ما يسمى "ديزل جيت" في ارتفاع الطلب على السيارات الكهربائية، ويؤكد أنه يصعب تحديد نسبة معينة حاليا، لأن انخفاض أسعار البنزين وتوقع تواصل انخفاض أسعار البترول في السنوات المقبلة، يعني أن المستهلك لا يزال لديه خيار ربما يكون أقل تكلفة من السيارات الكهربائية.
وتشير أغلب التوقعات الآن إلى أن السنوات المقبلة ستشهد انتعاشا في سوق السيارات الكهربائية في القارة الأوروبية، فبعد سنوات من تحبيذ شركات إنتاج السيارات وموقف الحكومات الأوروبية الداعم للسيارات الديزل، باعتبارها بديلا نظيفا للسيارات التي تعمل بالبنزين، وأقل تلويثا للبيئة، وأكثر كفاءة في مجال استخدام الطاقة.
وبلغت نسبة السيارات الديزل في القارة الأوروبية - بالخلاف مع كافة أسواق السيارات في العالم- نحو 50 في المائة وقد يتحول الوضع لمصلحة السيارات الكهربائية، فبحلول عام 2020 لن تسمح بلدية باريس بقيادة سيارات الديزل في العاصمة الفرنسية، أما لندن فقد أسست منطقة انبعاثات منخفضة للغاية في وسط العاصمة البريطانية، وهو ما يعني عمليا عدم السماح بقيادة سيارات الديزل فيها، وسيمتد الأمر إلى مدن أوروبية أخرى مثل النرويج وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا إضافة إلى الدنمارك والسويد.
وأشار لـ "الاقتصادية"، بيرنت كلارك الصحفي في مجلة "السيارات البريطانية"، إلى أن أوروبا قامت بدعم سيارات الديزل لسنوات والنتيجة أنها أضعفت عملية التحول إلى السيارات الهجين أو السيارات الكهربائية.
وأضاف كلارك أن "اليابان والولايات المتحدة تبنتا نهجا آخر، ففي طوكيو سعت الشركات المنتجة للسيارات خاصة شركة تويوتا إلى حل مشكلة التلوث عبر التركيز على السيارات الهجين، أما في الولايات المتحدة خاصة شركة جنرال موتورز فإنهم يركزون على السيارات الكهربائية".
ويستدرك كلارك قائلا "إن هناك منافسة حادة بين عملاقة صناعة السيارات في العالم لخفض تكلفة الإنتاج التي تراوح حاليا بين 30 و35 ألف دولار للسيارة، لكن الأنواع الجديدة ستكون أقل سعراً".
وبالفعل فقد أعلنت شركة شيفرولية الأمريكية أن الموديل الجديد لعام 2026 سيكون أقل خمسة آلاف دولار عن موديل 2014، أما "جنرال موتورز" فأعلنت في تصريحات رسمية أنها ستخفض سعر الموديل الجديد بنحو عشرة آلاف دولار على الرغم من إقرارها بأنها تتعرض لخسارة لكل وحدة تبيعها من السيارات الكهربائية، حيث يتوقع أن يبلغ السعر 30 ألف دولار تقريبا.
وبالنسبة إلى كثيرين حول العالم فإن مبيعات السيارات الكهربائية لا تزال محبطة للآمال، وباستثناء النرويج التي لا تعمل حكومتها على دعم هذا النوع من السيارات فقط، بل تقوم بتغيير حقيقي في البنية الأساسية للطرق، بحيث تكون قادرة على تلبية احتياجات سائقي السيارات الكهربائية، عبر توفير وسائل لتزويدها باحتياجاتها من الكهرباء ليس فقط في العاصمة أوسلو أو المدن الكبرى بل في البلدات النائية والمناطق الريفية، فإن باقي البلدان الأوروبية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية واليابان لا تزال تهمل هذا النوع من السيارات الاهتمام المطلوب من وجهة نظر عديد من المختصين.
ووصل عدد السيارات الكهربائية المستخدمة في مختلف دول العالم في العام الماضي إلى نحو 740 ألف سيارة لتفوق بذلك أعداد الدرجات النارية وحافلات النقل العام والشاحنات.
ومع هذا فإن المشكلة من وجهة نظر البعض تكمن في أنه لا تزال هناك قناعة سائدة لدى عديد من المستهلكين بأن جودة هذا النوع من السيارات محل شك، وأن عملية الإقبال على شرائها يرتبط في الأساس بطبيعة الامتيازات التي ترافق شراءها، مثل فرض ضرائب حكومية أقل عليها، ولكن بمجرد انخفاض أسعار البنزين فإن عديدا من المستهلكين يغير مواقفه الشرائية ويفضل السيارات التقليدية.
إلا أن المهندس سيمون ترلميت نائب رئيس قسم التطوير والتكنولوجيا في شركة رولزرويس البريطانية يعتبر أن أنماط السلوك الشرائية للسيارات الكهربائية في طريقها إلى التغير بعد فضيحة "فولكسفاجن" التي يقول إنها عادت بنتائج سلبية على الشركة الألمانية، لكنها من وجهة نظره ستكون بداية لانطلاق ثورة حقيقية في صناعة السيارات، خاصة الكهربائية والسيارات بدون سائق حول العالم.
وأضاف ترلميت لـ "الاقتصادية"، "إننا قد نكون بحاجة إلى عقد أو أكثر قليلا حتي تحتل السيارات بدون سائق مكانة ملموسة في سوق السيارات في العالم"، مشيراً إلى أن فضيحة "فولكسفاجن" وتنامي الوعي الدولي بقضايا التلوث ستعزز الجهود في توجيه المستهلكين إلى السيارات الهجين والسيارات الكهربائية.
وقال ترلميت "إنه لإحداث قفزة حقيقية في الطلب العالمي على هذا النوع من السيارات فإن الأمر يتطلب أولاً حدوث تغير تكنولوجي لعلاج جوانب القصور التي لا تزال موجودة في السيارات الكهربائية وأبرزها مشكلة البطارية وتكلفتها، وثانيا زيادة الطلب الصيني".
وحول تأثير السوق الصينية في الطلب العالمي على السيارات الكهربائية، يشير المهندس سيمون، إلى أنه من المتوقع أن يكون لدى الصين نحو خمسة ملايين سيارة كهربائية بحلول 2020، وهذا لا يعد معدلا استهلاكيا كبيرا في دولة بحجم الصين، فعدد السيارات في الصين يكاد يقترب من عددها في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يوجد في الصين حاليا 154 مليون سيارة خاصة، والعام الماضي تم بيع قرابة 24 مليون سيارة في الصين لم يتجاوز عدد السيارات الكهربائية فيها الـ 60 ألفاً، ومن ثم فإن زيادة الطلب هناك ستحدث فرقا كبيرا في تطوير صناعة السيارات الكهربائية، لكن المشكلة أن هذا النوع من السيارات يتطلب بنية أساسية مختلفة عن السيارات التقليدية. وكانت الحكومة الصينية قد تعهدت ببناء محطات شحن كهربائية لتلبية احتياجات تلك السيارات في المناطق الحضرية في الأساس، ووفقا للقواعد الجديدة فإنه لا يمنح تراخيص لبناء موقف للسيارات إلا إذا تضمن عشرة مراكز شحن كهربائية، لكن التحدي هو: هل ستستطيع الصين المضي قدما في مخططها لزيادة اعتمادها على السيارات الكهربائية في ظل أزمتها الاقتصادية الراهنة؟
وقد لجأت الحكومة الصينية الآن إلى دمج القطاع الخاص في هذا المجال، ونجحت بشكل ملحوظ، وفي الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام قفز معدل مبيعات السيارات الكهربائية في الصين بنحو 270 في المائة ليبلغ 108654 سيارة كهربائية. ويعتقد عدد من المختصين في صناعة السيارات أن تحقيق قفزة في مجال صناعة السيارات الكهربائية يتطلب إحداث طفرة تكنولوجية فيما يتعلق بقضية البطاريات المستخدمة في هذا النوع من السيارات، فالبطارية المستخدمة في السيارات الكهربائية، وعلى الرغم من أنها تمثل الفارق الرئيسي بينها وبين السيارات التقليدية سواء بالبنزين أو الديزل لا تزال نقطة الضعف الأساسية فيها بسبب سرعة نفادها، إذ أحيانا يتطلب الأمر شحن السيارة مرة أو اثنتين أو ثلاث مرات يوميا، ووضع بطارية أكبر يرفع تكلفة السيارة ويجعلها أثقل وزنا. وتسعى بعض مراكز الأبحاث الأوروبية إلى التعاون لحل تلك المشكلة عن طريق دعم مالي من الاتحاد الأوروبي، وتقوم الفكرة على أن يتم شحن السيارات الكهربائية دون أسلاك وخلال قيادتها على الطريق تلقائيا، إلا أن الأبحاث في هذا الشأن لا تزال في بدايتها، ويعتقد أنها قد تحتاج إلى ما يراوح بين 15 و20 عاما لتحرز نتيجة ملموسة، ومع هذا فإن التقديرات الراهنة تشير إلى أن صناعة بطاريات السيارات الكهربائية ستتضاعف سبع مرات خلال الفترة من 2014-2020 وستقفز من 2.18 مليار دولار العام الماضي إلى 16.4 مليار بحلول عام 2020.
وتعد تكلفة البطارية الجزء الأكبر من تكلفة السيارة الكهربائية، وتشير دراسة لمؤسسة تغير المناخ الطبيعي إلى أن تكلفة البطارية تبلغ نحو 7500 دولار حاليا إلا أنه يتوقع انخفاض السعر إلى 5000 دولار فقط بحلول عام 2020.
ومع تواصل الجهود العلمية سعيا إلى نتائج حاسمة وملموسة لإحداث قفزة نوعية في صناعة السيارات الكهربائية، فإن الأمر المؤكد أن الطلب عليها سينمو خلال السنوات المقبلة باعتبارها تكنولوجيا المستقبل.

الأكثر قراءة