Author

مخدر الشيطان .. و«لحظة» الغدر

|
السلوك الإجرامي في تاريخ الأمم، ليس له هوية محددة، ولا يخضع لأي قيم إنسانية، بل يمارس بالقوة غدرا ضد المصلحة العامة للمجتمع، معتزا بمخالفته كل المعايير الأخلاقية. عادة ما تكشف نوعية تلك الممارسات، عن أنماط ونماذج للشخصية السايكوباثية، التي تتوهم أن ما ترتكبه من جرائم يعد خدمة للبشرية! فعلى سبيل المثال لا يمكن أن نثق أو نصدق بأن المحتل الصهيوني يدعو المجتمع الدولي للسلام، أو يتقيد بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية لمعاملة أسرى الحرب، وهو من الأساس يرتكب المجازر بحق المدنيين ويسفك الدماء ويعتقل الأطفال ويقتلهم أمام الكاميرات! مجرد لحظة تلك التي أصبحت تفصل الإنسان عن بداية تحوله إلى وحش، لحظة اكتئاب، لحظة خذلان، لحظة فشل، لحظة ضعف في الإيمان تتطور إلى حالة ضياع، وحقد وكره، يحمل فيها من حوله فشله الذريع. لحظة محورية، يمر بها ولا تؤخذ أحيانا على محمل الجد من أسرته، ليترك في لحظة تلو الأخرى يتخبط بمفرده، إما يتلقفه رفاق السوء خارج المنزل، أو يحاصر نفسه بداخله عن طريق الإنترنت. في كلتا الحالتين لا يمكن إلقاء اللوم على الرفاق أو النت ونتجاهل المسؤولية المهمة للوالدين في عملية تربية وتنشئة أبنائهم. كلما كان حضن الوالدين الأقرب لنفس الابن، كانت عملية احتوائه وحمايته من الأفكار والهموم السلبية، أسهل وآمن من تركه ليعبث بعقله في لحظة بحثه عن الاهتمام. هي لحظة تلك التي تتفجر فيها قوى الشر الكامن داخل الإنسان، وتحوله إلى كيان مدمر لا يتوقف إلا بعد أن يقتل ويقتل، وهذا هو "بداية نهاية الزمان". منذ سنتين وبالتحديد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، أحبطت المملكة أكبر عملية تهريب للمخدرات كما وصفت على مستوى العالم، بقيمة مليار ريال، ألقت فيها القبض على 875 متهما، كانت بحوزتهم مبالغ تفوق ستة ملايين ريال. وفي هذا الشهر أيلول (سبتمبر) قبل عيد الأضحى بأسبوع، تم القبض على 12 مهربا بحوزتهم مادة (الأمفيتامين) الشبو المخدرة. وتكرار المحاولات والإصرار على تمرير تلك الكميات الهائلة للمملكة، ليس لها سوى هدف واحد، نزع وتفخيخ عقول الشباب لتدمير أنفسهم والوطن. ولا يوجد مدمر للشعوب والأوطان مثل المخدرات، حيث نشط "مخدر الشيطان" الشبو، في جرائم القتل التي وقعت أخيرا وسببت صدمة للمجتمع، إذ تعتبر عشرة ملليجرامات منه، جرعة كافية لإثارة الجهاز العصبي وتفجير السلوك الإجرامي داخل جسد متعاطيه، وقادرة أيضا على جعل مزاجه متقلبا، فينتقل من الكآبة إلى السعادة ومن الغضب إلى الهدوء في فترات زمنية سريعة ومتقاربة. لا يستطيع من حوله التنبؤ بردة فعله القادمة، ويستمر مفعول تلك المللي جرامات لمدة شهر كامل. لك أن تتخيل ما يمكن أن تفعله الأطنان منها في شباب دولة واحدة، ويكفي أن نعرف أن الشبو مخدرات مصنعة كيماويا قادرة علي إتلاف 50 في المائة من خلايا الدماغ. من أهم آثاره الجانبية الهلوسة وجنون العظمة والوهم، فلا تنزع فقط عقل الإنسان، بل تدفعه لعدم التردد عن قتل من يحيط به من المقربين. لو تخيلت أن مئات الإشارات العصبية، ترسل عبر ملايين الأسلاك التي تخرج من دماغ الإنسان لتنظم حركة جسده، فماذا ننتظر من ذلك الإنسان بعد أن عُطبت نصف أسلاكه! وبات جليا لمن يتابع نمط الوحوش الإرهابية، أنها لا تجند سوى صغار السن والمراهقين في العمر الذي يكون فيه الإنسان أكثر اندفاعا وتهورا وطيشا، وتستهدف التائهين في حياتهم، أو الذين تكونت لديهم مشاعر سلبية، مثل الحقد والكره للمجتمع بسبب فشلهم في تحقيق ما يريدون، مثل الإخفاق في المدرسة أو عدم القبول في وظيفة وموت الأمل داخلهم من أن تتحسن ظروفهم، فتتضور أنفسهم بحثا عن تقدير الذات، ويتحولون إلى فريسة سهلة للإرهابيين، الذين يولونهم كل الاهتمام ويمنحونهم الوقت والتقدير بالإجابة على كل تساؤلاتهم، ودعم تصرفاتهم ومشاعرهم السلبية. "تكفى يا سعد" فاجعة تكررت هذه السنة "سنة الشدائد والفتن" في أكثر من منطقة، وربما تكون الحادثة التي هزت الأبدان والأفئدة، لأن صوت الضحية كان يؤلمك بعمق دفعك لتكذيب ما رأته عيناك، وكيف أصبح القريب يقتل قريبه بكل سهولة وبدم بارد، لتحاصرك مئات الأسئلة، كيف استطاع تجاهل صوت قريبه؟ وكيف استطاع توجيه فوهة السلاح إلى ظهره؟ وكيف وكيف وكيف، ومتى، وأين. لتتوقف تساؤلاتك دون أجوبة على منظر الضحية مضرجا بدمائه. أيها الوالدان، التصقوا بأبنائكم أكثر، امنحوهم مزيدا من الاهتمام، فتشوا عما يدور في عقولهم بحنان، تعرفوا على هواياتهم، طموحاتهم، شاركوهم آمالهم واسعوا لتحقيق أحلامهم، ساعدوهم لاجتياز تلك المرحلة الحرجة من العمر التي يتحدد فيها مستقبلهم، شجعوهم ليصبحوا ممن يساهم في بناء مستقبله وتنمية هذا الوطن، لكيلا يحولهم الإهمال إلى معول هدم. الجماعات الإرهابية لا ترتكب جرائمها بمفردها بهذه السهولة، بل تتربص كالشيطان لتغدر بكم في أي "لحظة" تسهون فيها عن أبنائكم.
إنشرها