نظامنا السياسي .. يمثلنا
في ظل الأحداث السياسية المتوالية والتغيرات الديموغرافية والصراعات الثقافية في المنطقة يتم طرح أفكار جديدة من باب التطوير والإصلاح السياسي، وقد يكون من أبرزها النموذج الديمقراطي الغربي. وعلى أن هذا النموذج جذاب على المستوى النظري من حيث الدعوة إلى حرية التعبير وحفظ حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أنه يظل يستقي قيمه من الثقافة الغربية التي لا تتوافق مع الثقافة الإسلامية في تفسير مدلولات هذه القيم، خاصة الحرية الفردية. ومهما يكن الأمر فالمجال مفتوح وفيه سعة للاستفادة من تجارب المجتمعات الأخرى فيما يحقق كفاءة النظام الإسلامي من الناحية التطبيقية وليس من منطلق عقدي. وهي قضية يلزم الالتفات إليها في عملية الإصلاح التي يروج لها البعض وتأخذ طابع الانقلاب على الثوابت الوطنية التي هي هويتنا وسر كينونتنا. ولذا كان الحديث عن الإصلاح وإن بدا جذابا ومنطقيا إلا أنه منزلق خطر قد يستغله البعض في تنفيذ أجندات خارجية ليكون كلمة حق أريد بها باطل. والحقيقة أن مجال الإصلاح تحول إلى ساحة صراع فكري (أيديولوجي) وربما حتى طائفي يحاول كل فريق اختراق الثوابت الوطنية بل النيل من وحدتنا وتلاحمنا. والمتابع للنقاشات والأطروحات التي يقول بها البعض يجد أنها عدائية إلى درجة كبيرة ولكنها مغلفة بعبارات الوطنية تدس السم في العسل وهي جرعات مرتبة ومتتالية من الأفكار الخطيرة تهدف إلى إيجاد خلل في معادلتنا السياسية الدينية. كل ذلك من منطلق حرية التعبير يسانده الدعوة إلى حفظ حقوق الإنسان ليجد أولئك الأعداء الخفيون والمتخفون في الداخل والخارج مرتعا خصبا في بث سمومهم الفكرية وتأليب العموم على وحدتنا الوطنية وشريعتنا ومنهجنا السلفي الذي هو عقدنا الاجتماعي ومصدر الشرعية والأمن والاستقرار والرخاء.
من هنا كان من الضروري التأكيد على أهمية أن يكون نقاش القضايا العامة داخل المشترك الوطني وفي حدود عقده الاجتماعي. فهذا الضامن لوحدة البلاد وقوتها واستمراريتها والتاريخ المجيد والطويل للوطن يشهد بذلك. وما كان التطرف المذهبي والاصطفاف الطائفي الذي أطل علينا بشره وفتنته، إلا بمحاولة البعض الخروج على نهج السلف الصالح الذي يدعو إلى الوسطية والاتزان في تناول القضايا الخاصة والعامة. وهذه الوسطية لا تعني التراخي في تطبيق أحكام الله ولكن الشدة في مواضع تستدعي ذلك واللين والتيسير في وقته وبشروطه وأحكامه، اتباعا والتزاما بما جاء به الشرع الحنيف وليس ابتداعا وتأليفا من أحد. وعندما يكون المرجع في صنع القرار العام قال الله وقال رسوله ينزع الهوى الشخصي وتتحقق الموضوعية والحيادية في أعلى درجاتها. وفي هكذا قانون تتحقق معادلة الحقوق الفردية والمصلحة العامة فلا يبغي بعضها على بعض فلا حرية فردية منفلتة فوضوية تخل بالتوازن الاجتماعي، ولا سلطة عامة تمارس الإكراه والإجبار والتعدي على حقوق الأفراد الأساسية التي كفلها الشرع الحنيف. لكن مشكلة البعض أنه ينظر إلى موضوع الإصلاح من زاوية ضيقة يختزلها في حقوق الأفراد ويتغافل عن المصالح العليا للمجتمع. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد ولكن يتم تناول حقوق الأفراد كما في الدساتير وفلسفات المجتمعات الأخرى، فلا يستنكف المطالبة بحرية سياسية تحاكم حتى الثوابت الشرعية والوطنية. وإذا ما استجيب لدعواهم أو بعض منها أو تم التراخي مع أطروحاتهم فإن ذلك يعتبر ضربا من الجنون والانتحار السياسي. والحرص على الثوابت الوطنية ليس حكرا على بلادنا ولكن جميع الأنظمة السياسية لا ترضى أن تمس عقيدتها السياسية لا من بعيد ولا من قريب. فهذه الولايات المتحدة الأمريكية ترفض في الخمسينيات من القرن المنصرم تأسيس حزب شيوعي بل ذهبت تحاكم أولئك الذين تجرأوا على ذلك بعدما أقر الكونجرس الأمريكي عام 1954م قانون مكافحة الشيوعية، وبموجب هذا القانون تمت محاكمة آلاف المثقفين الأمريكيين. كل ذلك يجري في الولايات المتحدة معقل حرية التعبير وحقوق الإنسان – بزعمهم - وهذا دليل واضح على أن النظم السياسية بجميع أشكالها وأطيافها لا تقبل أي تهديد لمنهجها وقيمها وعقيدتها السياسية.
المعادلة السياسية الوطنية التي لا يفهمها البعض قوامها الشريعة الإسلامية النقية من الخزعبلات والبدع صافية كما جاء بها الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، وهي بذلك تأتي منسجمة مع قيم الشعب السعودي المحافظ، ومع نظامنا السياسي الذي يمثل قيم المجتمع. لقد عانى كثير من المجتمعات الإسلامية الويلات من الذين جاؤوا للسلطة على ظهر الدبابة وداسوا على قيم الشعوب المسلمة وألزموهم بقوة الإكراه على التخلي عن الشريعة وحكموا بغير منهاج الله، فتحولت تلك المجتمعات إلى مسخ مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فتراجعت أخلاقهم وضعف اقتصادهم واستعمروا ثقافيا وضلوا الطريق. وعندما يفتقد المجتمع هويته يموت ويتلاشى عن الوجود، فما يميز البلدان هو ثقافتها فإن هي ذهبت ذهبوا. ولذا نحن نعيش تحديا كبيرا ليس بما يخطط له الأعداء للنيل من سيادتنا والتدخل في شؤوننا فحسب ولكن ما يسعى إليه البعض ممن يحسبون على الوطن من محاولات لإضعاف جبهتنا الداخلية بالتشكيك في الثوابت الوطنية والنيل منها بأساليب خفية ظاهرها الرحمة والوطنية وباطنها العذاب والعداء. هؤلاء هم الذين يجب أن يوقفوا عند حدهم، فالثوابت الوطنية خط أحمر لا يمكن السماح لأصحاب الفكر الطائفي المتطرف المرتبطين بمرجعيات خارجية أن ينالوا من شرعنا وشرعيتنا فهي سر وحدتنا وجوهر عقدنا الاجتماعي. والمواطن الحق هو من يحترم شرعية وشريعة الوطن لأنها هي التي تمنحه الانتماء والهوية وبالتالي على الجميع وبصوت واحد أن يقولوا دون تردد "نظامنا السياسي .. يمثلنا".