Author

«الجسر» ورعونة لا تنتهي

|
توقفت سيارة أمام نافذة الجوازات ألقى سائقها التحية، وحين لم يأته رد مد يده بجوازات أسرته، للموظف الذي كان مشغولا بمكالمة شخصية، فأسند الهاتف على كتفه الأيمن وأخذ يدخل البيانات دون أن يلتفت للمسافر. دخل عليه أحد العمال فالتفت نحوه وأعطاه بعض الطلبات، ثم عاد يكمل حديثه الذي تخلله سؤال للمسافر "كم عددكم؟"، فلم يجب المسافر لأنه لم يدرك أن السؤال كان موجها له، فأعاد الموظف السؤال بطريقة عصبية ونزقة فاندلع شجار بينهما. من يقطن الشرقية أو يمر عليها عابرا إلى البحرين، لابد أن يلاحظ ظاهرة الموظف المشغول بهاتفه الخلوي، فلا يقتصر الأمر على تجاهله لك حين تلقي السلام، بل المهم ألا يخطئ في إدخال المعلومات أثناء حديثه في الهاتف، لكيلا تتكبد عناء العودة لتصحيحها، وإذا مررت عليه في أيام خالية من الازدحام أو وجدته لا يتحدث بالهاتف، فستجده مشغولا بالتحدث مع زميله في الكابينة نفسها في موضوع شجي ربما تستمع لجزء كبير منه. وعليك أن تتفهم طبيعة عمله والضغط الذي يتعرض له حين يعمل على مسارين، لذا أصبح لزاما أن تقف دون أن تطرق النافذة المغلقة إلى أن يجود عليك بفتح خيط يكفي لإخراج يده الكريمة ليأخذ منك الأوراق الثبوتية، وعليك أن تصبر حين يغلق النافذة في وجهك وتنتظر وتنتظر وتنتظر، إلى أن يتعطف ويفتحها مجددا ليخرج لك أوراقك ويعود يغلقها في وجهك من جديد، وإذا ساورك الشك في عدم وجود موظف وتجرأت وطرقت النافذة، فسيأتيك الرد عاجلا حين يفتحها سريعا فقط ليوبخك بقوله "خير ما تصبر شوي". وإذا استنكرت تلك الحركة الفظة، فستجد من يبرر غياب اللباقة بأن الموظف يستقبل الآلاف من العابرين في شدة القيظ ومن حقه أن يحظى بدقائق باردة، لتشعر بأنه هو فقط الإنسان وأنت سفينة الصحراء. في أحيان كثيرة أتساءل هل فعلا يرون وجه المسافر؟ وهل يكترثون، أم يعتمدون على أجهزة الأشعة التي وضعت دون تنبيه لمرضى القلب والحوامل؟! وإذا تقبلت الإجراءات البطيئة التي تحدث في نافذتي الجمارك والجوازات، فلن تفهم ما يحدث بالضبط في النافذة الأخيرة، ففي مرة يأخذ منك الموظف الورقة، وفي مرات أكثر لا يلتفت حتى باتجاهك، بل تظل عيناه معلقة على شاشة هاتفه الخلوي, ومرات يوقف سيارتك لينظر إلى أوراقك دون أن يلمسها بيده، وشخصيا لا أذكر أن عبرت مرة على الجسر دون أن أشعر بالاستياء من سوء تعامل "بعض" الموظفين، وتدني مستوى الخدمة التي تقدم، والتي من أبسطها التعطيل والتأخير، وكأنهم يُعبِّرون بذلك عن تدني ظروفهم الوظيفية. منذ سنوات في كل مرة نسلط الضوء على موضوع تدني الخدمة على الجسر، تتجاوب الإدارة إما بالتبرير، أو بتعليق الأمر برمته على كثافة الحركة بدلا من تطبيق حلول تعالج التكدس الذي يحدث بسبب ضعف التخطيط وانخفاض الأداء في الساعات العادية والتي أصبحت تصنع حالة تكدس حتى خارج ساعات الذروة. ولا توجد أسوأ من اللحظة التي يتجاوز فيها سائق أخرق الطابور، وسرقة حق آخر باعتراض الطريق دون أدب أو استئذان، ليبدأ مشهد حرق الأعصاب بين مناورات وعناد ومحاولة للثأر والتجاوز بالطريقة نفسها، فيتحول الأمر إلى شجار يتقاذف فيه الاثنان السباب من نافذة السيارة، ويتصاعد بعراك تتطاول فيه الأيادي. لا أستطيع حساب عدد المرات التي رأيت فيها شجارا يتحول إلى عراك أهوج يشل الحركة, ويعطل مرور الناس. كل تلك الفوضى لن يُنهِها فتح مليون مسار، مادام هناك غياب واضح للمرور الذي يوجد له مركز خاص على الجسر، فلو كان لهم تواجد مستمر على المسارات بمصاحبة الأمن، لما رأينا كل تلك الممارسات المخجلة تتصاعد وتتوسع، والأهم من ذلك لو حدث حريق ـــ لا سمح الله ــــ وهذا احتمال وارد بسبب ارتفاع درجة حرارة الجو والسيارات أثناء وقوفها الطويل، سيتسبب ذلك في حدوث كارثة قد تمتد لسيارات أخرى على الجسر بسبب ضيق المسافة بين المسارات من جهة وتكدس السيارات وتلاصقها من جهة أخرى بطريقة لا تسمح بمرور عربات مطافئ أو إسعاف بينها. من واقع الحوادث التي وقعت حولنا، مجرد فكرة الاستهتار في أمر من أمور السلامة يعتبر بحد ذاته خطرا وينذر بكارثة محتملة. منذ سنوات والعابرين من البلدين يرون أنه لو تمت إزالة كل تلك النقاط التي تصعِّب إجراءات السفر وتستنزف الوقت واختصاره في نقطة واحدة، لتوقف هدر طاقة ووقت الإنسان. وحتى بعد أن تمت الموافقة على تطبيق هذه الفكرة، ما زالت مرحلة الانتقال من خانة القرار إلى خانة التنفيذ تهدر مزيدا من الوقت. جسر الملك فهد من أجمل منافذ المملكة، وذلك الجمال سيظل مبتورا ومشوها، وربما لا يعِره المسافر أي اهتمام، إلا إذا تم استقباله باحترام وبشاشة، مع أنني مؤمنة بأنه لو تم تحسين الوضع الوظيفي للعاملين هناك لارتفعت جودة الأداء، ولحظي الناس بخدمة أفضل.
إنشرها