في تنظيم دوام المحال التجارية
تناولت أخيرا وسائل الاتصال الاجتماعي في المملكة، وعلى وجه الخصوص، ساحة "تويتر"، موضوع تنظيم ساعات العمل في المحال التجارية، التي بلغت اليوم ذروة الفوضى وأقصى مداها. وسيكون حديثنا في هذه العجالة محصورا في تجارة التجزئة والورش الصناعية الصغيرة. ونستثني من ذلك السوبر ماركات الكبيرة والصيدليات وما في حكمهما. وقد انقسم المغردون إلى فئتين. طرف مع ضرورة تقنين ساعات العمل بما يتناسب مع المصالح العامة. وطرف آخر لا يمانع من استمرار الوضع الحالي، على الرغم من عدم ملاءمته للحياة الحضارية وتأثيره السلبي على الاقتصاد الوطني والحياة الاجتماعية، ناهيك عن كونه سببا مباشرا لتفشي الرغبة في السهر غير المبرر بين فئات من أفراد المجتمع ونفور الشباب من ممارسة الأعمال التجارية بأنفسهم.
وليس سرا أن معظم محال تجارة التجزئة "الدكاكين" والورش الصناعية والبقالات الصغيرة تتحكم بها عمالة أجنبية تعمل لحسابها الخاص مقابل رسوم شهرية يؤدونها للكفيل، وهو ما يخالف النظم والقوانين المحلية والمنطق. ووجود هذه الفئة من العمالة الوافدة نعتبره عالة على اقتصادنا الوطني. فإلى جانب أرباحهم من ممارستهم في مجال نشاطهم بحرية كاملة لأعمال البيع والشراء لحسابهم الخاص، هم أيضا يستفيدون من الأسعار المخفضة لصالح المواطن وينهكون البنية التحتية في البلاد. ومن الملاحظ أن أغلب المحال التي يعمل بها الوافدون تعمل أكثر من 15 ساعة في اليوم. وتنظيم ساعات العمل وتحديدها بثماني أو تسع ساعات يوميا سيساعد على حل هذه المعضلة المزمنة. نحن نقترح أن تكون مدة فتح المحال التجارية لا تتجاوز ثماني أو تسع ساعات في اليوم، ويكون على فترتين. يبدأ العمل، على سبيل المثال، من السابعة صباحا وحتى 11. ثم يستأنف من الساعة الرابعة مساء حتى الثامنة. ولا بأس من تمديد المدة إلى تسع ساعات يوميا إذا رأى المسؤولون لذلك ضرورة. ويلي ذلك تنظيم ساعات العمل في المطاعم والمقاهي. فمن رأينا ألا يتعدى وقت عملها 11 ليلا.
وما الفوائد التي نأمل تحقيقها من التعديل؟
أولا، تنظيم للحياة وتعويد لأفراد المجتمع على التقيد بالنظم واحترام الوقت، الذي هو من سمات المجتمعات المتحضرة. وتوقف العمل أربع ساعات في وسط النهار وإنهاء النشاط التجاري بعد الساعة التاسعة مساء سيوفر لنا كما هائلا من مصادر الطاقة المكلفة، من وقود وكهرباء ويخفف ازدحام السير. ويقلل من التلوث الجوي والبيئي نتيجة للحد من حركة المركبات داخل المدن. ومثل هذا التنظيم، سينخل لنا العمالة الأجنبية التي ليس لوجودها فائدة وسيحد من ظاهرة التستر. ومن ثم يسهل علينا إحلال المواطن محل الأيدي الأجنبية مع مرور الوقت وانتظام ساعات العمل. وحياتنا المستقبلية في حاجة إلى نوع من تغيير نمط الحياة حتى نستطيع العيش بسلام فوق أرض هذه الصحراء عندما يبدأ الدخل البترولي بالانخفاض، وهو أمر مفروغ منه. ولا بد من إشراك المواطن في التنمية الاقتصادية وبرامج تنويع الدخل. وهذا غير ممكن مع وجود فوضى أوقات العمل. ولا ننسى أن مراكز بيع الدواء واللوازم الرئيسة ستظل مفتوحة. وسنلاقي في بادئ الأمر صعوبة في تطبيق التوقيت الجديد وفي التقيد به. ولكن سرعان ما نتكيف معه ويصبح جزءا من حياتنا.
ثانيا، قد يتساءل البعض عن أين يقضي أفراد المجتمع أوقاتهم بعد الساعة التاسعة مساء؟ جميل، نحن تعودنا على الخروج إلى الأسواق، لحاجة ولغير حاجة، حتى منتصف الليل أو إلى ما بعد ذلك. وهي أصلا عادة غير حميدة، ومعظم الشعوب الحية والمنتِجة يأوون إلى النوم مبكرين، فلا يضيعون أوقاتهم كلها في السهر واللهو. ونحن يجب أن نكون كذلك، كما كنا من قبل. والحياة كفاح. فما نشاهده اليوم من رفاه عند معظم فئات المجتمع واعتماد على الأيدي الأجنبية في معظم أمورنا يجب ألا يدوم طويلا. وعلينا أن نتحمل مسؤولياتنا بأنفسنا. ولا بأس من وجود أماكن ترفيهية، دون تحديد لماهيتها الآن، تتناسب مع تقاليدنا وعاداتنا، ويكون فتحها وإغلاقها حسب متطلبات الوضع آنذاك.
ومع إدراكنا لصعوبة تنفيذ مثل هذا التغيير الجوهري الذي يمس مباشرة حياة المواطنين، إلا أن أملنا كبير في أن يكون هناك مخطط عام وتنفيذ متدرج. ومن الضروري أن يكون لدينا إعداد إعلامي كثيف ومنظم كجزء من المخطط العام. ومن ثم نشر الوعي بين أفراد المجتمع عن طريق خطباء المساجد ووسائل الإعلام جميعا والمدرسين في مدارسهم. لأن الهدف هو إنشاء جيل يتربى على الحيوية والنشاط ونبذ الكسل والسهر.
ويبقى الأهم، وهو تحديد الجهات التي من الواجب أن يكون لها حضور جيد في تنفيذ خطوات هذا المشروع الوطني الكبير ثم متابعة استمرار تطبيقه. فالمسؤولية، حسب اعتقادنا تتحملها، دون تحديد الأولوية، وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة التجارة والأمن العام ممثلا لوزارة الداخلية ووزارة العمل ووزارة الصناعة والتخطيط. ولا بد من إنشاء هيئة مستقلة يكون مرجعها مجلس الوزراء ويرأسها وزير، تكون مسؤولة عن التنسيق بين الوزارات المذكورة آنفا ومشرفة على مراحل التغيير. وسوف ـــ بإذن الله ـــ نجد أنفسنا قريبا، إن نحن طبقنا القوانين والتزمنا بالحزم والانضباط، شعب من نوع آخر، منتج ومنظم وجدي، يعمل من أجل مستقبل أفضل.