دور قطاع الطاقة كمحرك فاعل للنمو الاقتصادي

مضت ست سنوات تقريبا على انهيار مصرف ليمان براذرز واندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، وكانت مسيرة التعافي بطيئة خلال الفترة التي تلتها، وتعطلت آلية السياسة المالية نتيجة الخلافات الواقعية والصراعات الأيديولوجية بين المدافعين عن خفض الضرائب وأولئك المتخوفين من زيادة عجز الموازنات الحكومية.
ركزت السياسة المالية على تخفيض تكلفة الأموال بالنسبة للمصارف، على أمل أن تقوم المصارف بزيادة الإقراض للشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، وهي الفئة الأكبر من حيث عدد الموظفين والأكبر من حيث عدد فرص العمل.
لكن لسوء الحظ، لم تكن المصارف متعاونة في هذا الجانب، خاصة أنها اضطرت لتلبية معايير الحد من المخاطر التي فرضها مصرف التسويات الدولي "بي.آي.إس" في "بازل".
إن عدم استثمار المال في الاقتصاد الحقيقي قد يخلق فقاعة أخرى، فقد يتجه للعقار، أو سوق السلع كالمعادن النادرة أو حتى النفط، وقد تكون في سوق الأسهم.
وشكل هذا الواقع جزءا أساسيا في صفحات الصحافة الاقتصادية التي حللت جميع الكلمات التي ألقاها رئيس الاحتياطي الفدرالي. وبالنسبة للإعلاميين المتخصصين، فإن النماذج الاقتصادية السائدة تركز على الطلب المدفوع بالناتج المحلي الإجمالي.
لكن النظرية الأكاديمية للنمو الاقتصادي ونسبة كبيرة من نماذج التوازن الاقتصادي ما زالت تهمل أو تقلل من دور الطاقة، ما أدى إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة من توصيات السياسات الاقتصادية كما تم الإعلان عنها قبل التطبيق، حيث ركزت على تحفيز الطلب من خلال طبع النقود، أو بوصف أدق، من خلال تخفيض تكلفة الأموال.
في كتابي الصادر حديثا بعنوان: "اقتصاد الفقاعة: هل يمكن تحقيق النمو المستدام؟" قمت بتوضيح الفجوة الموجودة حاليا في الفكر الاقتصادي فيما يتعلق بدور الطاقة. ففي حال أدى تخفيض معدلات الفائدة إلى زيادة الطلب المجمع بالقدر الكافي بالتزامن مع انخفاض أسعار الطاقة، تكون مشكلة النمو والبطالة قد انتهت.
لكن المشكلة الحقيقية أن خفض تكلفة المال لا تحفز الطلب بالشكل الكافي كما كان عليه الحال في السابق، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن ارتفاع الطلب يستلزم المزيد من الطاقة، مما يرفع أسعار الطاقة.
خلال القرنين الماضيين، ومنذ انطلاق الثورة الصناعية، لطالما توافرت الطاقة بكميات كبيرة وبتكلفة محدودة، وباتت في عداد المسلمات كداعم أساسي للنشاط الصناعي، لكن تلك الحقبة شارفت على الانتهاء مع اقتراب مرحلة ذروة النفط، أي التي يصل خلالها إنتاج النفط إلى الذروة، التي يرى البعض أنها حدثت في 2005.
وتكمن المشكلة في أن النفط هو الوقود السائل الوحيد تقريبا المطلوب لتشغيل محركات الاحتراق الداخلي في المصانع، وهذه المحركات تحدث الحركة، فهي تشغل منظومة النقل والمواصلات بأكملها، باستثناء القطارات الكهربائية، إضافة إلى الزراعة الممكننة، وآليات الإنشاء والتعدين، وبالتالي فإن ارتفاع سعر النفط سيعرقل أي نمو اقتصادي في المستقبل.
لا يتم أخذ الطاقة بعين الاعتبار من قبل المنظرين الاقتصاديين الذين يؤلفون الكتب ويطورون النماذج الاقتصادية إلا ما ندر، حيث يعتمدون على نظرية تقول بارتباط دور الطاقة كمحرك للنمو الاقتصادي مع حصتها من الميزانية العامة لكل بلد.
النماذج الاقتصادية السائدة تعتبر أن النمو الاقتصادي يعتمد على الطلب الاستهلاكي الذي يرتبط مع الواقع السكاني، أي توافر اليد العاملة، إضافة إلى الاستثمار من المدخرات بشكل رئيسي، والمشكلة هنا أن معظم تلك النماذج تهمل دور الطاقة ولا يتم اعتبارها عاملا أساسيا في الإنتاج.
ونظرا لانخفاض مساهمة قطاع الطاقة في الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 5 في المائة خلال السنوات الـ25 الماضية، فإنها لا تدخل ضمن حسابات النماذج الاقتصادية التي تعتمدها مؤسسات على غرار مؤسسة التعاون والتنمية الاقتصادية أو صندوق النقد الدولي، حيث تعتبر أن النمو يأتي مدفوعا بتوافر اليد العاملة ورأس المال.
تستأثر قضايا الطاقة بحصة ضئيلة من التحليلات والمقالات في الصحافة العالمية، إلا في حال حدوث أزمات في الشرق الأوسط، لذا يعتبر القراء أن المال هو أساس الحركة الاقتصادية في العالم، لكن رأس المال لا يكون فاعلا ومنتجا دون تفعيل دور الطاقة، كما أن توافر اليد العاملة أو حتى الثروة الحيوانية يحتاج إلى الغذاء، فهو ضروري حتى للمجهود الذهني الذي يستهلك 30 في المائة من حُريرات الطعام. إذا الطاقة هي أساس حركة العالم.
لا يتم تناول ارتفاع أسعار النفط وآثارها الارتدادية بشكل موسع ضمن النقاشات الدولية التي تعالج التباطؤ الاقتصادي العالمي، لكن ارتفاع أسعار النفط كان عاملا مساهما في الأزمة المالية الأخيرة وغيرها من الأزمات التي شهدها العالم في السابق.
ومع مرور الوقت، يزداد الدور السلبي وأثره خاصة مع توقع استمرار ارتفاع أسعار النفط، خاصة مع ارتفاع الطلب من الصين والدول النامية الذي وصل إلى مستويات توازي العرض في سوق النفط، بينما تنخفض تكلفة استكشاف حقول النفط الجديدة، لكن ذلك يأتي مع انخفاض مخزونات النفط الجديدة غير المستكشفة.
بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط، تنخفض أسعار الطاقة البديلة والمتجددة على غرار الطاقة الشمسية أو تلك المعتمدة على الرياح أو طاقة أمواج البحر، إضافة إلى انخفاض تكاليف تقنيات تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة على غرار العزل الحراري والتخزين وغيرها.
ويأتي ذلك مع اتساع حجم ودور هذه المصادر بالتوازي مع التطور الذي تشهده، ومن المتوقع أن يتواصل انخفاض أسعار الطاقة البديلة من توسع وارتفاع معدلات وقنوات إنتاجها.
ومع توجه أسعار الطاقة البديلة إلى مستويات توازي تكلفة الطاقة الكهربائية، بات من الضروري أخذ ارتفاع أسعار النفط بالتوازي مع انخفاض أسعار الطاقة البديلة بعين الاعتبار لدورها الحيوي في وضع الاقتصاد على طريق النمو المستدام.
ومع ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية وانخفاض تكلفة نظيرتها البديلة، يبرز عديد من الفرص الاستثمارية على المدى الطويل، خاصة للمستثمرين الأذكياء للفوز بعوائد مالية مجزية.
يلعب القطاع الخاص دورا مهما في توجه التركيز على الطاقة البديلة، على الرغم من أن آليات استثمار رؤوس أموال ضخمة في مثل هذه المصادر ليست واضحة بالشكل الكامل بعد، حيث يكمن التحدي الرئيس في تطوير طريقة لربط القيمة السوقية الحالية مع الأصول غير القابلة للتسييل، أي خلق السوق للطاقة البديلة.
لكنها ليست مستحيلة بالنسبة لوول ستريت، حيث تم تطبيق طرق مماثلة عبر الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية من قبل مؤسسات مثل "سالمون براذرز" و"فيرست بوسطن" التي جنت أموالا هائلة نتيجة ذلك.
إن هذه السياسة الاستثمارية تطبق من قبل صناديق رأس المال المخاطر وشركات التعدين وغيرها، وقد فشل البعض فيما نجح آخرون بما يبرر الوسيلة.
فالمشكلة تكمن في الجمع بين استثمارات تولد عوائد كبيرة لكن متناقصة وتمتد على المدى القصير، على غرار آبار النفط، مع الاستثمارات التي تولد عوائد ضئيلة لكنها تنمو وترتفع تدريجيا على المدى الطويل، على غرار الزراعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي