إصرار نوف
أرسلت لي الأخت نوف فهد قصتها تعليقا على مقالتي "تأتأة صالح"، وبدوري أشارككم إياها لنستفيد جميعا من تجربتها الملهمة. فنوف عاشت فترة عصيبة مع "التأتأة". لقد كان الكلام مشكلة شائكة أمامها. يعد درس اللغة العربية أصعب درس. فعندما يأتي دورها لتقف وتردد كلمة أو جملة أمام الفصل تتصبب عرقا، وتتوقف طويلا في أول حرف ولا تكمل. ترتجف وترتعش ويضحك الجميع. كان موقفا مؤلما تحاول معلمتها إخراجها منه، لكن شخصا واحدا لا يستطيع أن يوقف العالم. فالكل كان يعتبر مشكلة نوف مشكلة مزمنة مستعصية. تحاصرها نظرات الشفقة وأحيانا الازدراء. نوف مثلنا جميعا لها مشاعر وأحاسيس. رضخت لعواصف الإحباط والألم فاضطرت إلى الإقلاع عن الدراسة. تركت مقاعد الدراسة وهي في الخامس الابتدائي. كان توقفها مخدرا مؤقتا منحها الفرصة لتطوير قدرتها على الرسم. وركزت على القراءة بسلام بعيدا عن ضجيج سخرية رفيقات فصلها. انتعشت موهبتها في الرسم، فشرعت في النقش على الزجاج. وشرعت في قراءة القرآن الكريم بكثافة. راجعت اختصاصيين في النطق، وانتظمت في زياراتهم. كانت ثلاث سنوات مثمرة لها على صعيد التطوير. لكن كان التحدي أن تعود إلى مقاعد الدراسة وتكمل دراستها. أن تصبح أقل تأتأة وأكثر انطلاقا. لم تكن العودة سهلة بعد غياب قسري لمدة ثلاث سنوات. عادت وكانت كبرى زميلاتها، بيد أنها أكثر نضجا ووعيا. لم يعد يهزها الهمز واللمز أثناء ارتجالها جملة جهرا أمام فصلها. كانت أكثر قوة مما مضى، وتردد إلى نفسها قائلة، الآية الكريمة: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فانعكس إيمانها على أدائها. تطورت كثيرا. وأصبحت أفضل. بدأت تتلاشى التأتأة تدريجيا. انضمت إلى مجموعة تضم مصابات بالتأتأة. تقاسمن فيما بينهن الاقتراحات والأفكار. بعد سنوات قليلة لم تعد نوفُ نوفَ التي تعاني التأتأة. أصبحت متأتئة سابقة. صارت تتحدث في المهرجانات والمؤتمرات عن تجربتها ومعاناتها. تم إنتاج فيديو قصير مستوحى من تجربتها على "يوتيوب" بعنوان: "نعم أتلعثم ولكن".
نجحت نوف في تجاوز مشكلتها، وبإمكاننا يا أصدقاء تجاوز مشكلاتنا أيضا.
معظم مشكلاتنا لها حلول، لكنها تحتاج إلى وقفة جادة تحولها إلى ذكرى نستلهم ونتعلم منها.