تراكم المستحقات

اشتهرت قطاعات حكومية معينة بتخلفها الدائم عن سداد التزاماتها المالية، سواء للمقاولين أو الموظفين الذين يكلفون بالأعمال أو يبعثون في مهام خارج مناطق عملهم. هذه الجهات معروفة غالبا لدى الجميع بحكم الشكاوى التي تشغل الصحف والمجالس. تحسن وضع أغلب القطاعات مع الوفرة المالية خلال الأعوام الماضية، والقطاع الذي لم يسدد التزاماته في هذه المرحلة، لن يسددها أبدا حكما على عناية مسؤولي الميزانية والتوجيهات التي تصدر بإنهاء حقوق الشركات والمواطنين.
مع كل هذا لا تزال الإشكالية قائمة في عدد من الوزارات والهيئات. واستمرار المشكلة يقودنا إلى استنتاجات قد لا تكون صحيحة جميعا، لكن بعضها أو أغلبها صحيح.
أول الاستنتاجات هو انعدام التخطيط المالي لدى المنظومة أو سوؤه في أفضل الأحوال، ما يجعلها تلتزم دون أن تبني على خطة سداد واضحة ومتفق عليها مع المالية، أو تضع نفسها في موقف محرج، بسبب التوقعات غير الدقيقة للالتزامات المقبلة.
تقع مثل هذه الإشكالية في العقود غالبا، وهو ما يؤدي إلى تأخر اعتمادها ومن ثم تكوين ثغرات في الصرف عليها، تؤدي إلى إشكالات مع المقاولين وتسبب تعثر المشاريع. دفع هذا إلى الأسعار الخيالية لتنفيذ المشاريع الحكومية، وانخفاض جودة المخرجات.
يمكن أن نعزو التراكم إلى الفساد الإداري الذي يدفع بالقطاع إلى تنفيذ أعمال أو تكليف أشخاص دون حاجة. تنتشر عملية "التنفيع" في قطاعات كثيرة. بل إن البعض يستخدمها كمكافآت على حسن الأداء أو قرب الأعضاء من متخذ القرار. يزداد عدد المكلفين وتزيد الأعمال غير الضرورية ليصبح التنافس محموما بين الموظفين للحصول على الانتداب أو العمل الإضافي أو الدورة. هذا يستدعي تغييرا أساسيا في تقويم أسلوب تحديد الاحتياجات ودفع الالتزامات لهذه العمليات.
السبب الثالث مرتبط بسابقه، فصرف الاستحقاقات فورا لفئات معينة وحرمان فئات أخرى يؤدي مع الوقت إلى تراكم استحقاقات الفئات المحرومة. عادة يكون المحرومون من صغار الموظفين والمؤسسات، وهم أغلبية "رقميا" لكن استحقاقاتهم الفردية أقل من "الهوامير". سداد استحقاق موظف أو مقاول من الكبار، قد يحرم أضعاف العدد من الصغار. مسؤولو المالية يعرفون بالتأكيد أسبابا أخرى، لكن الواقع هو أن عدة قطاعات بحاجة إلى استعادة توازنها ومحاولة الخروج من دائرة التراكم هذه، والبناء على بيئة إيجابية فاعلة ومتفاعلة تنفذ مهامها بكفاءة ومصداقية وجودة عالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي