كأننا والماء من حولنا
تحدثنا فيما سبق عن المشكلات المائية في العالم وأرجعناها الى أربعة أسباب:
قلة مصادر المياه العذبة.
التوزيع غير المتناسق لهذه المصادر مع بؤر الطلب العالي.
الزيادة المطردة في الطلب على الماء في السنين الأخيرة.
التلوث المتزايد لمصادر المياه العذبة.
وسنتحدث بإسهاب في هذا المقال عن السبب الأول. تغطي المياه ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، لكن 97.5 في المائة من هذه المياه مالحة جدا – ذات ملوحة تتجاوز 20 ألف ملغ لكل لتر- وغير صالحة للشرب أو الاستخدام الزراعي أو حتى الصناعي (غالبا). فالمياه العذبة إذن تشكل فقط 2.5 في المائة من مجمل المياه في العالم. ولكن كما ذكرنا فإن ثلثي هذه النسبة (1.7 في المائة من المياه في العالم) هي مياه عذبة محتجزة في الجبال الجليدية – أي لا يمكن الحصول عليها بسهولة. وما يتبقى (أقل من 1 في المائة من مياه العالم) هي المياه العذبة التي يمكن الحصول عليها، وهي باختصار:
المياه الجوفية، وهي تمثل تقريبا ثلاثة أرباع المياه العذبة.
المياه السطحية أو مياه الأنهار والبحيرات وتمثل الربع الباقي.
عموما لا توجد أرقام دقيقة عن كمية المياه العذبة في العالم، إنما هي تقديرات. فمجموع المياه العذبة في العالم يقدر بـ 35 مليون كم مكعب (منها 24.5 مليون كم محتجز في الجبال الجليدية و10.6 مليون كم تمثل المياه الجوفية و135 ألفا تمثل مجمل مياه الأنهار والبحيرات).
إذن وبعد الاطلاع على هذه الأرقام التي تشير إلى قلة المياه العذبة في العالم – والصعوبات المتزايدة في مواجهة الطلب العالمي المتنامي- ما الحلول؟
نحن -والوضع كذلك- أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما أن نحد من الاستهلاك المتزايد للماء عالميا (جانب الطلب) وإما أن نزيد من مصادر / كميات الماء في العالم (جانب العرض)، فهذان هما المكونان الرئيسيان لعلم إدارة المياه. سنتحدث عن الاستهلاك المتزايد للماء وطرق الحد منه لاحقا. ما نحن بصدده الآن هو زيادة كمية الماء المتوافرة للعالم.
يبدو هذا للوهلة الأولى مخالفا للتوازن المائي العالمي، حيث كمية المياه ثابتة لم تتغير على مدى ملايين السنيين، فالماء يتحول من شكل إلى آخر – من البخار إلى الماء والجليد ثم البخار مرة أخرى- ومن مكان إلى آخر – من المسطحات المائية إلى السحاب فالأرض ثم يعود إلى المسطحات المائية مرة أخرى. فيوميا يتبخر 50 كلم مكعب من الماء من المسطحات المائية (البحار والمحيطات بشكل أساسي) إلى السماء في رحلة تستغرق في المتوسط تسعة أيام ليحملها السحاب إلى حيث أمر. وعندما تهبط على هيئة مطر فإنها في الواقع تؤوب إلى موئلها الأول – البحر والمحيط - أحيانا بعد ساعات معدودة وأحيانا أخرى بعد ملايين السنين! ليس المقصود إذن إيجاد ماء جديد، فكميات الماء على سطح الأرض ثابتة. كذلك نسب المياه العذبة والمالحة ثابتة ومعروفة – أما كمياتها فليست معروفة بدقة وإنما جميع الأرقام المتوافرة والمتداولة حاليا هي نتاج بحوث العالم السوفياتي إيجور شيكلومانوف التي بدأها في عام 1974 ونشرها الأمريكي بيتر جليك في كتابه (الماء في أزمة). لكن المقصود هنا هو أن نقوم بتحويل بعض مصادر المياه غير العذبة إلى مصادر عذبة. الحديث هنا عن تحلية أو معالجة مصادر غير عذبة كمياه البحر ومياه الصرف الصحي أو الصناعي أو الزراعي.
الكثير بدأ يؤمن بأن تحلية مياه البحر هو الحل الأمثل والسحري لمشكلات نقص الإمدادات في المياه العذبة على المستوى العالمي. هذا الرأي – لحسن الحظ - صحيح إلى حد كبير، لكن الأمر لا يخلو من تحديات. أولها بديهي وهو أن تحلية مياه البحر مناسبة للمدن والدول الساحلية فقط. أما المدن الداخلية فستتحمل أعباء كبيرة لنقل المياه (تكاليف رأسمالية وتشغيلية، هذا بخلاف القوانين السيادية خاصة للدول الداخلية). ثاني هذه التحديات هي أن تحلية مياه البحر عملية مكلفة جدا ومستهلكة عالية للطاقة (4 كيلو واط/ متر مكعب). ومع كل هذه التحديات إلا أن تحلية مياه البحر في ازدياد مطرد – بسبب تطور الأبحاث، خاصة في مجال أغشية التناضح العكسي والحاجة الماسة إلى المياه - فهناك نحو 16 ألف محطة تحلية للبحر عالميا تنتج ماء لسد ظمأ أكثر من 300 مليون إنسان – ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 600 مليون بحلول عام 2020.
وبخلاف تحلية البحر (المكلفة والملائمة لمناطق الساحل فقط)، بدأت بعض الدول في النظر مليا إلى مصدر مهدر وهو مياه الصرف الصحي. ففي سنغافورة وناميبيا وأجزاء كثيرة من أمريكا، بدأت عمليات معالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها سواء في القطاع الزراعي أو حتى بخلطه مع مياه الشرب.. ولهذا الحديث بقية في مقالات مقبلة.
محليا لا تتمتع المملكة العربية السعودية كما هو معروف بمصادر مياه عذبة كافية. فالمصدر الوحيد تقريبا هو المياه المختزنة في باطن الأرض، وهي مياه غير متجددة في الغالب – أي أنها في طريقها إلى النضوب يوما ما لا محالة. وهذا ما دعا السعوديين إلى التركيز على تحلية مياه البحر حتى تبوأوا الريادة عالميا. أما مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي – وهي مصادر أقل تكلفة وأكثر استدامة - فهي للأسف لا تزال مهدرة.
الخلاصة أن المياه العذبة على سطح الكوكب تشكل نسبة قليلة فقط من مجمل عام المياه. هذه النسبة إن كانت كافية في الماضي إلا أنها لن تتمكن من مواجهة الزيادة المطردة في الطلب على الماء عالميا. الحل الأنجح هو التوجه إلى المصادر غير التقليدية للمياه كما ذكرنا.