ما بين جماعتي «السفارة» في البحرين ولبنان

مع بعض الاختلافات في المرامي والأهداف وأسباب النشوء، فإنه حينما ظهرت في البحرين جماعة شيعية تطلق على نفسها اسم "السفارة" قبل عدة سنوات تسابقت جمعية الوفاق الإسلامية الشيعية المعارضة وأعوانها وأبواقها الإعلامية ومرشدها الديني إلى إطلاق حملة ضد المنضوين تحت لواء تلك الجماعة الصغيرة، واصفين إياها بالمروق والفجور والكفر، ومنددين بها كمجموعة خرجت لشق الصف الشيعي البحريني، بل وصل الأمر إلى حد نبذها مجتمعيا عبر تحريم مصافحة أعضائها أو إلقاء التحية عليهم أو الاجتماع بهم أو السكوت عنهم.
وما قام به أخيرا حسن نصرالله الثرثار، زعيم حزب الشيطان اللبناني يقع ضمن الإطار نفسه. فقد ساءه أن ظهر من بين مواطنيه اللبنانيين الشيعة جماعة تخالف علنا مخططاته وعدوانيته وإساءاته إلى الدول العربية الشقيقة وسياساته الحمقاء في التدخل في الشأن السوري إلى جانب نظام بشار الأسد المتهاوي، وتتمسك بمواطنيتها وعروبتها، رافضة أن تكون مجرد ترس في مخططات نظام ولاية الفقيه الإيراني الساعية إلى دق الأسافين وإحداث الفتن والفوضى والحروب الطائفية بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي، فما كان منه إلا اتهام هؤلاء بالخيانة والعمالة وتلقي الأوامر من السفارة الأمريكية، متوعدا إياهم بالقول، "لن نسكت عنهم بعد اليوم"!
وهكذا نرى أن الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير التي يتشدق بها حسن الثرثار وأشباهه من رموز جمعية الوفاق البحرينية مجرد لافتات لا قيمة لها، لأنهم يتبعون سرا ما يخالف أبسط قواعد الديمقراطية وهو ترك الناس أحرارا يختارون ما يشاءون من مواقف بحسب ما تمليه عليهم ضمائرهم.
نعم. الديمقراطية كنظام ووسيلة من وسائل التعبير والاختلاف كانت موجودة وراسخة وحاضرة في المشهد اللبناني، على الرغم من بعض الهنات هنا أو هناك، وكان اللبنانيون بمشاربهم الفكرية المختلفة يفتخرون بها أمام العالم، ولا سيما العالم العربي، بل كانوا ينتظمون في أحزابها بغض النظر عن هوياتهم الطائفية والإثنية بدليل أنك كنت تجد حزبا مسيحيا يمينيا مثل "حزب الوطنيين الأحرار" بقيادة رئيس الجمهورية الأسبق الراحل كميل شمعون يتمثل فيه زعيم شيعي مثل الراحل الكبير كاظم الخليل كنائب لشمعون. غير أن بروز حزب الشيطان على السطح بقيادة حسن الثرثار غيّر المشهد كليا، حيث تم إفراغ الديمقراطية اللبنانية على يدها من محتواها وأهم مقوماتها وهو حرية التعبير والاختيار، وتم الضغط على شيعة لبنان لترك حواضنهم الفكرية الطبيعية والانخراط في منظومة حزبية طائفية لا ديمقراطية، الأمر الذي يدعونا إلى القول أن لا ديمقراطية ناجحة مع وجود النفس الطائفي والميليشيات الطائفية الحزبية المسلحة. بل إن حزب الشيطان ذهب إلى أبعد من ذلك حينما فرض على المنتسبين إليه من "الأفندية" والتكنوقراط أمرا شكليا لتمييزهم عن غيرهم من الشركاء في الوطن. ولم يكن هذا الأمر سوى قرار داخلي بضرورة عدم ارتداء ربطة العنق مع بدلاتهم الأوروبية الأنيقة، لأن الولي الفقيه في قم رأى في ذلك تشبها برجال الشيطان الأكبر. ذلك الشيطان الذي أصبح اليوم، بعد سنوات من المكابرة والدجل والضحك على الذقون، خليلا ينام رجال الولي الفقيه في أحضانه ويكادون يقبلون أقدامه من أجل رفع العقوبات عن بلادهم المنهكة.
وفي البحرين كان البحرينيون، سنة وشيعة موزعين على التيارات السياسية المختلفة من ماركسية وقومية وناصرية وبعثية، لكن مشروع جلالة الملك المفدى الإصلاحي وما تمخض عنه من السماح بتكوين جمعيات مشابهة للأحزاب السياسية أدى إلى ظهور جمعية الوفاق ذات الأجندات الطائفية التي عملت، كشبيهتها اللبنانية، منذ اليوم الأول لميلادها على انتزاع الأعضاء الشيعة من التيارات سالفة الذكر وإعادة تأهيلهم أيديولوجيا، فصرت ترى ــ ويا للعجب ــ ماركسيا لينينيا غيفاريا ينتصر لفكرة ولاية الفقيه أو يدافع عن سياسات خامنئي وحرسه الثوري، أو بعثيا كان إلى الأمس القريب في صف صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية، أو قوميا عربيا كان حتى سنوات مضت يحذر من الأطماع الإيرانية في الخليج العربي وفكرة "فرسنة المنطقة" يفعل الأمر ذاته دون حياء أو خجل.
ما أتعس الذين يبيعون أوطانهم، ومرابع طفولتهم، ومروج ذكرياتهم، ويتخلون بسهولة عن عروبتهم فداء لمشاريع الأجنبي لمجرد أن الأخير يزعم أنه "الولي الفقيه المعصوم ونائب إمام العصر والزمان"، ويرفع لواء "المقاومة والممانعة" المتمرغ في وحول الخزي والعار على الأرض السورية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي