المدارس الجاذبة.. طال الانتظار
بطموح بالغ ولغة خطاب متصالحة ومحفزة يقود وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل الميدان التربوي وعليه علقت الآمال وكثير من الطموحات لأهم القطاعات، التي تحظى باهتمام ومتابعة المجتمع.
المؤشرات الأولية تقول إن هناك لغة إيجابية تسود الميدان التربوي تمهد لتقبل قرارات التغيير والتطوير القادمة بعد أن سادت قبله لغة التهديد، والوعيد، وتعاميم المركزية، وتحولت الوزارة إلى كيان جامد غير متفاعل لا مع منسوبيه ولا مع المجتمع، وبالتالي قتلت جملة من الأفكار الطموحة المتعلقة بالإبداع والتطوير في مهدها، وهذا نتيجة طبيعية في البيئات المنفرة والطاردة التي يتضخم فيها الأشخاص المنتفعون، وتسيطر المركزية، ويضعف العمل المؤسسي، وتختفي الحوافز.
إن أهم القرارات التي يجب أن يطولها التفكير والتغيير هي تحويل المدارس من بيئات منفرة وطاردة إلى بيئات جاذبة للطالب والطالبة ومحفزة للتعليم، فنحن من سنوات ننظر حول هذا الأمر دون مبادرة تذكر.
علينا أن نسأل لماذا يكره أبناؤنا المدارس ويأتون إليها في كل صباح بوجوه كئيبة عابسة ويختلقون الأعذار للغياب؟ لماذا يقتنصون الفرص للهروب في منتصف النهار ويخاطرون بأرواحهم في القفز من فوق الأسوار؟ لماذا يفرحون في وقت الخروج ويندفعون اندفاع السجين الهارب من حصاره وسجانيه؟ لماذا ينتظر طلابنا أخبار الإجازات وتعطيل الدراسة بفرح غامر ويترقبونها بحماس بالغ لا يضاهيه حماس آخر؟
إلى هذا الحد تناسلت وتكاثرت مدارسنا وهي بالرتابة نفسها والتعقيدات والخوف، الذي عشناه ونحن طلاب، وانتقل إلى جيل الأبناء بالمفاهيم نفسها الغليظة الجامدة.
اسألوا كل المبتعثين، لماذا يبكي أبناؤهم عند فراق مدارسهم ويحنون إليها كل يوم؟ ويشعرون بالفرق الصادم حين يعودون إلى مدارسنا؟ إنه سؤال كبير يختصر كثيرا من الألم على سنين تهدر من عمر الطالب وهو يتعلم تحت الضغط وحصار الخوف، والتهديد، والتلقين بلا إبداع أو تجديد.
ولعلي هنا أستذكر تلك القصة، التي رواها المرحوم الدكتور محمد الرشيد وزير التربية السابق في بداية عمله في الوزارة حين استقطب خبيرا أجنبيا لتقييم أداء بعض المدارس فوقف الخبير في الصباح وشاهد وجوه الطلبة وهم داخلون إلى مدرستهم بوجوه حزينة منكسرة ذابلة ثم عاد في وقت الانصراف فشاهدهم يتقافزون فرحا ونشاطا، وهم يغادرون أسوار المدرسة، فقال للوزير الرشيد لا داعي لمزيد من إهدار الوقت في التفاصيل كل شيء لديكم داخل المدرسة خطأ.
اختصر هذا الخبير ما يود فعله لم يتعب نفسه في الاطلاع على مناهج، ولا أداء معلمين، ولا مرافق المدارس، ولا دور الإدارة المدرسية، ليقول الحقيقة فما دمنا فشلنا في جذب الطلبة للمدارس فنحن نسير في الاتجاه الخاطئ.
جاء بعد الوزير الرشيد- رحمه الله- وزراء وكتبت أفكار، ودونت خطط، وبرامج، ودراسات بحثية، وملتقيات تربوية، وطبعت خطابات ولم يتحقق على الأرض مفهوم المدرسة الجاذبة.
وفي نظري إن لم يتحقق مفهوم المدارس الجاذبة في هذه المرحلة المتعطشة للتغيير والمبادرات الإبداعية فلن تتحقق مستقبلا!