فضائح الباطنية

مما يتميز به أصحاب وأتباع الحركات الباطنية أنهم يتسترون بالإسلام وبقراءة القرآن وبالصلاة والصيام، ويظهرون بشكل كبير حب آل البيت ومودة وموالاة الإمام علي بن أبي طالب وابنيه الصحابيين الجليلين الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة، وأمهما الطاهرة المطهرة فاطمة الزهراء - رضوان الله عليهم جميعاً-، وغيرهم من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم. كما يظهرون العفاف والزهد في الدنيا والإعراض عن الشهوات، ويتظاهرون بالصدق والأمانة.
ولعل القاسم المشترك الأبرز بين أغلب الحركات الباطنية التي ظهرت بين المسلمين عبر تاريخ الإسلام، هو تظاهرهم بحب آل البيت، وهدفهم من ذلك خداع المسلمين، الذين يكنون لآل البيت محبة خالصة صادقة، ومودة كبيرة.
ولكن عند تبيّن حال الباطنية، ودراسة أمرهم يتضح أن الأمـر على خـلاف ذلك تماماً، فالباطنيون يظهرون ذلك لعامة الناس كي يخدعونهم، بينما هم يبطنون الكفر والزندقة وبغض الإسلام والمسلمين والعرب خاصة، بل ويبغضون الأنبياء والرسل، كما أنهم يميلون إلى المجون والخلاعة والانغماس في اللذات والشهوات، كما أنهم جريئون على قتل النفس البشرية المعصومة، ويتميزون بجرائم اغتيال المخالفين لهم دينياً أو سياسياً، وأحيانا حتى اغتيال أعوانهم وأتباعهم إذا احتاجوا إلى ذلك.
وقد أوثقوا أمورهم بسرية تامة، وبأخذ الأيمان والعهود على من أجابهم وتبعهم أن يكتم ما يبوحون له به من أسرارهم، وهم يكشفون أمرهم لأتباعهم بالتدرج على قدر شعورهم بقناعة أتباعهم بتوجهاتهم الحقيقية، وبقدر تمكنهم من هؤلاء الأتباع، وسيطرتهم على عقولهم، وقد انخدع بهم كثير من المغفلين.
وكانت هذه الحركات الباطنية، وما زالت، شراً وبلاءً على المسلمين عامة والعرب خاصة، وأريقت بسببهم دماء معصومة لا تعد ولا تحصى، وانتشرت من خلالهم الفوضى العارمة، وساد السلب والنهب، وزال الأمن والأمان.
وانتبه لشر هذه الحركات عالم شهير من كبار علماء المسلمين، هو حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (ت 505هـ)، فألف كتابه "فضائح الباطنية"، رد به على عقائدهم الدينية وأفكارهم السياسية، وقد عد هذا الكتاب ضربة تاريخية قاصمة للباطنية وإلى يومنا هذا، كما يعد من أهم المراجع عنهم.
طبع الكتاب أول مرة ناقصاً بعناية المستشرق جولدتسيهر عام 1334هـ، ثم حققه الدكتور عبد الرحمن بدوي معتمداً على نسخ مخطوطة أخرى، ونشره كاملاً عام 1383هـ. وطبعته هذه هي المعتمدة عند الباحثين. وترجم الكتاب إلى عدة لغات، منها الإنجليزية والإسبانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي