قمة الملفات التي أهملها أوباما

توفر قمة كامب ديفيد بين دول الخليج العربية والولايات المتحدة، فرصة ليس فقط لاتفاقات طويلة الأمد بين الطرفين، بل أيضا لطرح ملفات لم تطرح بهذا الزخم من قبل. وهي ملفات متفاعلة بل تنشر مخاطرها بصورة يومية في المنطقة والعالم. ولا شك في أن التراخي الأمريكي في معالجة عديد من القضايا التي تهم المنطقة والولايات المتحدة في آن معا، أسهم في استفحالها، علما بأن إدارة باراك أوباما انكفأت على نفسها طوال السنوات الست الماضية، وتركت مسائل لا تترك في الواقع لمزيد من التردي. لم تقم الولايات المتحدة طوال الفترة المذكورة بمسؤولياتها الدولية على أكمل وجه. هذا ما يقوله حتى أعضاء كبار في الحزب الديمقراطي الحاكم، ويحملون أوباما "العوائد" السلبية الناتجة عن سياسته الانعزالية المتقوقعة. فهذا الأخير أجبر حتى الموالين له على انتقاده علنا، في صورة قل نظيرها في التاريخ الأمريكي الحديث.
ومما لا شك فيه، يمثل التعاون العسكري بين بلدان الخليج العربية والولايات المتحدة محورا رئيسا، فالاستحقاقات ستظهر من جراء الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وإيران، تفرض معايير جديدة لمثل هذا التعاون، خصوصا في ظل تمسك إدارة أوباما بالوصول إلى هذا الاتفاق رغم كل الثغرات ضمن هيكليتها، التي تتعرض يوميا ليس فقط لانتقادات أمريكية داخلية، بل لهجوم فاضح أيضا من القوى السياسية على ساحة الولايات المتحدة على البيت الأبيض. فالقلق الخليجي من تمتع إيران بفسحة للحراك النووي، سواء السلمي أو العسكري، يمثل خطرا داهما على المنطقة كلها. والدلائل كثيرة تحدث يوميا على الساحة، ولم تعد سرية أو مموهة. والنظام الإيراني لم يقدم تطمينا واحدا في هذا المجال، والسبب أنه لا يستطيع فعلا أن يقدم مثل هذا التطمين، لأنه يتعارض ببساطة مع استراتيجية الخراب والفوضى الإيرانية.
الرئيس الأمريكي نفسه يعترف بأن إيران راعية للإرهاب، ويعترف أيضا بأن دول الخليج العربية على حق في القلق من جراء هذه الراعية التي لم تتوقف فقط عند حدود تمويل العصابات والمرتزقة، بل تعدت ذلك للتدخل المباشرة في غير بلد عربي، من لبنان إلى سورية إلى العراق والآن في اليمن. والسؤال المنطقي هنا الذي ينبغي أن يوجه لأوباما هو: هل يمكن أن تأمن المنطقة والعالم من دولة ترعى الإرهاب؟ وهل تستحق هذه الدول امتيازات اتفاق دولي سيوفر لها مساحة مريحة للتحرك وفق استراتيجيتها التخريبية؟ دون أن ننسى أن نظام الملالي في إيران يقوم بتنفيذ هذه الاستراتيجية وهو يخضع لعقوبات طويلة ومحكمة. فكيف الحال بعد زوال هذه العقوبات أو تخفيفها؟!
إن ملف الإرهاب لا يرتبط فقط بالتنظيمات الإرهابية الإجرامية التي ظهرت بفعل انعزال السياسة الأمريكية، بل يشمل في الدرجة الأولى إيران، التي ترعى وتمول وتحتضن، إضافة إلى أنها ترسل الجنود ومختصي الدمار والقتل إلى أكثر من منطقة عربية. وسيكون الاتفاق النووي المحتمل أشد خطرا على العالم من عدم وجود اتفاق أصلا، إذا لم يأخذ في الاعتبار الإرهاب الإيراني المباشر وغير المباشر. فحتى اليوم، تتحدى إيران القرارات الدولية والاتفاقات الثنائية على الساحة اليمنية، وهي ماضية في تخريب هذا البلد قدر المستطاع. أي أنها لم تتوقف عن ذلك حتى قبل أسابيع قليلة من حلول موعد التوقيع على الاتفاق النووي النهائي.
قمة كامب ديفيد محورية، لأن كل الملفات التي تطرح فيها مرتبطة ببعضها البعض. الإرهاب مرتبط بإيران والتنظيمات والعصابات التي تمولها، والتعاون العسكري الخليجي ــ الأمريكي مرتبط بمدى الخطر الإيراني بعد الاتفاق، وهناك مصير أربع دول عربية على الأقل مرتبط مباشرة بالأفاعيل الإيرانية الإجرامية. إن إيران لا تتدخل فقط في هذه البلدان، بل تحتل أجزاء منها علانية، وتدعم الخونة فيها بكل شيء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي