ترجل الفارس

ذكر لي صاحبي أنه كان ذات سنة من السنين مراسلا في إحدى الوزارات، وكلف بإيصال ظرف للأمير سعود الفيصل في منزله. يقول الرجل وصلت ولم يكن الأمير موجودا فرحب بي ابنه واستقبلني خير استقبال، وطلب مني المكوث في غرفة جميلة داخل سور المنزل.
يقول صاحبي لم أتعود أن أدخل القصور، لذلك استغربت الدعوة الكريمة وبساطة الأمير الابن، ولزيادة حرصي وربما لاستمتاعي بالوجود في ذلك المكان، أصررت على أن يتسلم الأمير شخصيا ذلك المظروف. وصل الأمير ولقيني باسما وشكرني على الانتظار، وتسلم ما لدي، وعندما هممت بالخروج جاءني الأمير الصغير بمظروف آخر. فتحته بعد أن خرجت فوجدت فيه مبلغا جيدا من المال.
تذكرت قصة صاحبي وأنا أتابع خبر التغيير الوزاري الذي طال مجموعة من الوزارات، منها وزارة الخارجية التي تمرس في قيادتها الأمير البارع سعود الفيصل. لقد كانت السنون الأخيرة من خدمة الأمير في الوزارة مليئة بأحداث ومتغيرات قلما تمر على دولة في قرن، فضلا عن عقد من الزمان.
ظلت المملكة خلال تلك الفترة محافظة على قيمها واحترامها الدولي، وكانت للأمير هيبة وقدرة سياسية وشخصية مؤثرة، أثمرت مركزاً مرموقاً للمملكة ومصداقية لا يشكك فيها أحد. عندما تصدى الأمير لقضايا شائكة كان السياسي المحنك الذي يعلم ماذا يقول ومتى يقول ولمن يقول ما يريد.
آخر مواقف الأمير الصارمة كانت في قمة الجامعة العربية الأخيرة، فبينما كانت رسالة بوتين تشغل بال الكثيرين، تصدى الأمير بكل قوة فأوضح المواقف بكل شفافية ونزع الأغطية والسواتر الدبلوماسية التي يغلف بها كثير من السياسيين كلامهم كجزء من قناعاتهم التي آمنوا بها لسنين.
هو شبل الأسد الذي صنع مفاهيم السياسة الخارجية وهو ابن 16 ربيعا حين حضر اجتماعات إنشاء الأمم المتحدة، واستمر في إدارة السياسة الخارجية حتى يوم وفاته، كيف لا نتوقع من سعود أن يكون الانعكاس المضيء لوالده الذي استقى منه مفاهيم السياسة ومبادئ خدمة الإسلام والوطن.
نعم كان الفيصل قائدا للسياسة السعودية وسيظل مشرفا على ملفات السياسة الكبرى، وسيبقى ذكره عطرا وكلماته الصارمة برغم آلام ومتاعب المرض مثلا للسياسي الشجاع الذي يدفع بالحق ويفحم كل المخالفين بالمنطق والعقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي