«عدو عدوي صديقي» .. الصين بباكستان
"عدو عدوي صديقي" وفقا لهذا المبدأ وثقت بكين علاقاتها وطورتها مع الحكومات الباكستانية المتعاقبة. إذ وجد قادة الصين في العداء الهندي ـ الباكستاني المستفحل منذ انقسام شبه القارة الهندية في عام 1947 فرصة ذهبية لتشكيل حلف مع باكستان يحاصر الهند من الشمال والشمال الغربي. على أن الحالة كانت مختلفة يوم أن أسست باكستان علاقات دبلوماسية مع الصين في عام 1951. فوقتذاك كانت الصين الشيوعية تنظر إلى باكستان بعين الشك والريبة بسبب انخراطها في حلف بغداد وتعاونها الوثيق مع الولايات المتحدة، كما أن العلاقات الصينية ـ الهندية لم تكن قد وصلت إلى مستوى العداء الصريح.
وعليه يمكن تأريخ التحالف الباكستاني ـ الصيني بأوائل الستينيات التي شهدت تدهورا خطيرا في العلاقات الهندية ـ الصينية على إثر الحرب البرية الخاطفة التي شنها الجيش الأحمر في عام 1962 على حدود الهند الشمالية بأمر من "ماو تسي تونج"، وهي حرب لم يتوقعها الهنود إطلاقا، بل كان رئيس الحكومة الهندية الراحل "جواهر لال نهرو" يستبعدها معولا على علاقات الصداقة التي كان قد نسجها في مؤتمر باندونج للدول الآفروآسيوية المستقلة (1955) مع نظيره الصيني "شو إن لاي"، ومعولا أيضا على وجود البلدين ضمن منظومة دول العالم الثالث المقاومة للإمبريالية. وما يجدر ذكره في هذا السياق أن نهرو رفض في عام 1959 اقتراحا من الرئيس الباكستاني المارشال محمد أيوب خان حول توقيع اتفاقية للدفاع المشترك بين بلديهما لمواجهة الصين مقابل أن تقدم نيودلهي لكراتشي بعض التنازلات في الملف الكشميري.
أما مهندس التحالف من الجانب الباكستاني فقد كان الراحل ذوالفقار علي بوتو الذي كان يشغل وقتذاك منصب وزير الخارجية في حكومة أيوب خان، وكان يملك نفوذا على الأخير، بدليل أنه تمكن في عام 1963 من إقناع سيده بالموافقة على تخطيط الحدود الصينية الباكستانية بطريقة تمنح بكين السيادة على أجزاء من ولاية كشمير الباكستانية، وذلك من باب كسب وضمان الدعم الصيني. والحقيقة أن بوتو عرف عنه تمتعه بموهبة فذة لجهة تحقيق المكاسب لبلده ولمصلحة صعوده السياسي من خلال اللعب على تناقضات الحرب الباردة، والخلافات الأيديولوجية بين موسكو وبكين.
وهكذا شهدت علاقات الصين بباكستان، وتحديدا منذ توقيع الصين اتفاقية تحالف وشراكة استراتيجية مع باكستان في عام 1971، نموا متواصلا على الأصعدة المختلفة، ولا سيما الاقتصادية والعسكرية منها، وذلك على الرغم من التباين الآيديولوجي والعقدي الواضح بين البلدين، ناهيك عن اختلاف توجهاتهما الخارجية ومواقفهما من الغرب، والحقيقة أن الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات بين قادة البلدين، والاتفاقيات المبرمة بينهما، والقروض والمساعدات المقدمة من بكين لإسلام أباد على مدى العقود الأخيرة، وقيام بكين بمنح باكستان صفة عضو مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي في عام 2005 خير برهان على صحة ما نقول.
ما سبق لم يكن سوى توطئة لتحليل الزيارة التي قام بها أخيرا الزعيم الصيني "شي جينبينج" إلى إسلام أباد وما تمخض عنها من نتائج. وبطبيعة الحال فإن الزيارة في حد ذاتها ليس شيئا لافتا للنظر لأن زعماء صينيين كثر سبقوا جينبيج لجهة زيارة باكستان. اللافت للنظر حقيقة هو نتائج الزيارة التي توحي بوجود توجه صيني جاد لاستغلال عثرات باكستان الاقتصادية، وظروفها الأمنية المختلة، وحاجتها الماسة إلى الطاقة الكهربائية لمنح بكين منفذا مباشرا إلى المحيط الهندي وبحر العرب عبر إنشاء ممر اقتصادي بطول ثلاثة آلاف كيلومتر، وتكلفة 28 مليار دولار، لربط ميناء "غوادر" الواقع في بلوشستان الباكستانية بمدينة كاشجار في مقاطعة "شينجيانج" الصينية المحاذية لباكستان، الأمر الذي يقلص مدة وصول نفط الخليج إلى الصين بآلاف الكيلومترات.
ويعتقد قادة بكين أن الوصول إلى مياه المحيط الهندي، التي تملك فيه غريمتهم الهندية نفوذا قويا ويطل عليه كل سواحلهم الطويلة هدف يستحق أن يبذل من أجله القروض والمساعدات والاستثمارات الضخمة، ومن هنا لم يكن مستغربا أن يعلن أثناء زيارة الزعيم الصيني عن مشاريع صينية في باكستان بقيمة إجمالية تصل إلى 46 مليار دولار، بعضها تحت التنفيذ فعلا، والبعض الآخر في مرحلة التخطيط والدراسة في مجالات الطاقة من غاز وفحم وطاقة شمسية، وفي مجال تحسين البنى التحتية المتهالكة وإنشاء السدود. وبالمثل لم يكن مستغربا وجود عديد من مديري المصارف والمصانع والشركات الصينية ضمن الوفد المرافق للزعيم الزائر، لأن أحد الأهداف الأخرى كان مضاعفة حجم المبادلات التجارية البينية التي تجاوزت قيمتها في عام 2014 مبلغ 12 مليار دولار.
إلى ما سبق تدرس الصين تحسين وتطوير القدرات العسكرية الباكستانية عبر تزويد البحرية الباكستانية بثماني غواصات من صنعها، مع تقديم مساعدات أمنية واستخباراتية ولوجستية للقوات الباكستانية من أجل تمكينها من القضاء قضاء مبرما على الجماعات الإرهابية العاملة في وزيرستان وتوابعها في أفغانستان من تلك التي يخشى الصينيون امتداد أنشطتها إلى داخل أراضيهم، وانتشار أفكارها المتطرفة بين مواطنيهم من المسلمين الإيجور في شينجيانج وغيرهم من مسلمي جمهوريات آسيا الوسطى الشريكة في منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي.
وأخيرا، فإن من ضمن ما وعدت به الصين حليفتها الباكستانية المساهمة في إنشاء أربع محطات نووية جديدة في كراتشي (محطات تشاشما 1، 2، 3، 4). ويمكن قراءة هذا كرد فعل على التعاون النووي القائم بين الهند والولايات المتحدة. هذا علما بأن الصين لعبت دورا مهما منذ عام 1986 في تطوير القدرات النووية الباكستانية، من خلال اتفاقية ثنائية وقعت في تلك السنة.