احتياطي نقدي سعودي مرتفع
يفوق احتياطي النقد الأجنبي في المملكة احتياطيات 21 بلدا عربيا. وعلى الرغم من أن هذا بحد ذاته ليس خبرا، لأن السعودية تعلن بصورة دورية عن احتياطياتها بأعلى مستوى من الشفافية، وحجم الاحتياطي في البلدان العربية أيضا معروف بصورة أو بأخرى، إلا أن ارتفاعه في كانون الأول (ديسمبر) الماضي بحدود 21.4 مليار ريال يأتي في ظل تراجع مطرد لعوائد النفط، منذ منتصف العام الماضي وحتى اليوم. في حين انخفض الاحتياطي السعودي من النقد الأجنبي في تشرين الثاني (نوفمبر) بنسبة 0.7 في المائة مقارنة بمستواه في الشهر الأخير من العام المنصرم. وفي الوقت نفسه احتلت المملكة المرتبة 17 عالميا، والأولى عربيا في احتياطيات الذهب مطلع العام الجاري، بنمو يقدر بـ 1.60 في المائة. وهذه أيضا، نقطة إيجابية، في الوقت الذي تعاني فيه غالبية اقتصادات العالم أزمات حقيقية، بل خطيرة، وبعضها مهدد بالانهيار.
لا شك في أن "الدراما" الراهنة على صعيد سوق النفط، تؤثر بصورة سلبية في البلدان المنتجة له. لكن الاستراتيجية التي تسير عليها السوق حاليا، وهي استراتيجية سعودية محضة، تستهدف آفاقا جديدة للبترول، واستقرارا أكثر استدامة على المدى البعيد. دون أن ننسى، أن هناك متغيرات هائلة تحدث على هذه الساحة، سواء انخفضت أسعار النفط أو ارتفعت. لكن كل هذا لم يؤثر بصورة أو بأخرى في القدرة الاحتياطية السعودية للنقد الأجنبي والذهب. حدث تقدم ملحوظ على هذا الصعيد، ما دفع عديدا من البلدان إلى الإعجاب بقدرة المملكة على المواءمة بين متغيرات السوق النفطية والاحتياطيات النقدية، فضلا عن استمرارها في الاستراتيجية التنموية التي أطلقت قبل سنوات، وتشمل كل مناحي الاقتصاد تقريبا.
إن الاحتياطيات من القطع الأجنبي تمثل (كما هو معروف) بالنسبة للبلدان التي تملكها حصنا حصينا، على صعيد السمعة الاقتصادية، والملاءة المالية، فضلاً عن الثقة التي تحتاج إليها، خصوصا في وقت الأزمات أو التحولات. وهي في النهاية تشكل ضمانات كافية لحراك الواردات إلى المملكة. إنها الغطاء المطلوب في كل الأوقات. كما أنها تضمن مساحة آمنة ضرورية في الأداء الاقتصادي العام. ولهذه الأسباب وغيرها، تحرص المملكة على تدعيم احتياطياتها من النقد الأجنبي والذهب، ويبدو أنها ماضية في هذا الاتجاه. وقد أثبتت قدراتها في هذا المجال، حتى في ظل التراجع الكبير لأسعار النفط، الذي لا يزال يشكل المورد الأكبر لها. ففي حين لجأت بلدان نفطية عدة إلى السحب من الاحتياطيات النقدية لها لمواجهة تداعيات الأسعار، كانت المملكة تغذي احتياطياتها.
وفي كل الأحوال، هناك استحقاقات عديدة أمام المملكة. من بينها بالطبع الاستمرار بلا توقف أو تعطل لخطتها التنموية الشاملة، التي تشكل بحد ذاتها مشروعا هائلا لبناء اقتصاد جديد، يستند إلى أدوات متنوعة لرفده، بما في ذلك، إشراك عميق للقطاع الخاص في المشروعات وفي الواجبات الملقاة على عاتقه اجتماعيا ووطنيا، وإيجاد المداخيل المالية من مصادر عديدة، عن طريق توسيع قاعدة التنويع. ويمثل هذا تحديا كبيرا في المرحلة الراهنة، أكثر منه من أي مرحلة سابقة. فبلدان الخليج ستخسر (بحسب صندوق النقد الدولي) ما يزيد على 300 مليار دولار هذا العام بسبب التراجع المتواصل لأسعار النفط، تختص السعودية بقسم كبير منها. وهذه الخسائر تضاف إلى الأخرى التي ضربت البلدان النفطية في الأشهر الأخيرة من العام الماضي.
لا بد من البناء على الاحتياطي المرتفع من القطاع الأجنبي في السعودية. والمسؤولون السعوديون يعرفون أن الاستناد إليه فقط دون دعم متواصل له وللاقتصاد بشكل عام، لن يوفر المعاول المطلوبة للتغيير الاقتصادي المستحق في البلاد.